ملف: كفى استباحة للمرأة باسم الدين والأخلاق! (27)

ملف: كفى استباحة للمرأة باسم الدين والأخلاق! (27)

20 مارس 2023
+ الخط -

بعد مرور 22 عاماً من القرن الحادي والعشرين والدخول في العام الثالث والعشرين، وبالرغم من كلّ الثورات التي نادت، وما زالت بالحرية وحماية حقوق المرأة، وبالرغم من كلّ التطورات والانفتاح الذي يشهده العالم بأسره، لا سيما الدول العربية أيضاً، إلاّ أنّ منطق ما يُسمّى "السلطة الذكورية" أو "السلطة الأبوية والأخوية" ما زال مسيطراً في بعض الدول، ومنها لبنان، أو دعنا نقول بعض البلدات والمناطق اللبنانية، وعلى وجه الخصوص القرى البعيدة عن العاصمة.

وغالباً ما تستمد تلك المجتمعات قوة تنفيذ هذه السلطة من العادات والتقاليد التي تتحكّم بحياة هؤلاء الناس، والتي تعطي الحق للرجل بالتسلّط أو التحكّم بقرارات المرأة، وطبيعة عملها وطريقة عيشها، حرصاً على سمعتها، أو ربما خوفاً على شرفها، وغالباً ما تقضي تلك المجتمعات على شخصية الفتاة منذ الصغر وتجعلها أداة لتنفيذ أوامر والدها، أو أخيها ولاحقاً زوجها.

وهنا يمكن الإشارة إلى أنّ بعض المجتمعات تلجأ إلى تطبيق المعايير والمفاهيم الدينية على هواها في تربية الأطفال، إذ تميّز بين الأطفال الذكور والإناث منذ الصغر، باعتبار أنّ الذكر يحق له أن يتصرّف كيفما يشاء ولا يعيبه شيئاً، في حين أنّ الأنثى محظور عليها أن تخرج من المنزل بمفردها، سواء للتسوّق أو للتنزّه أو لأي مكان آخر، ويحظر عليها التخالط مع الرجال، أو العمل خارج المنزل أو السفر أو...، وبالتالي جعل الأطفال الإناث دمية في يد الرجل منذ الصغر.

وإذا أردنا التحدّث عن المفاهيم الدينية، فإنّ الله "عزّ وجل" أكرم المرأة وحسن التعامل معها، وأمر بأن تُصان كرامتها وتحترم كما تُصان كرامة الرجل، باعتبار أنّها شريكة الرجل في الإنسانية، وخُلقا من أصل واحد، حيث قال تعالى في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾، وأمّا لناحية الأخطاء فإنّ المحرّمات على الرجل من الناحية الدينية هي نفسها تلك المحرّمة على المرأة، وبالتالي التذرّع بالدين في هذا المجال ليس صحيحاً.

أما بالعودة للعادات والتقاليد، هنا يأتي دور المؤسسات والجمعيات والجامعات لتوعية المواطنين ومساعدتهم على التخلّص من الثقافة الذكورية، وحصر أمور الحياة بيد الرجل وحده، وجعل المرأة حبيسة ومجرّد أداة تنفيذ.

وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بدو ورسائل الإعلام التقليدي والحديث بالتركيز على ضرورة تحرّر المجتمعات من الجهل المتحكّم بعقولهم، وتحرير النسار من المضايقات والقيود التي تتعرّض لها والتي تصل أحياناً إلى عتبة العنف اللفظي وحتى الجسدي.

وفي الختام لا بد من تأكيد أنّ مسألة تحرّر المرأة من قبضة الرجل والنضال في مسار إيقاف العنف ضدها مهما كانت طبيعته أو شكله ليس محصوراً بالنساء فقط، وإنّما هي معركة تخصّ كلّ الأجناس والفئات والأعمار، وعلى الطرفين النسوي والذكوري خوضها من أجل بناء مجتمع حقيقي متحرّر، يؤمن بالحرية والعدالة، ويرفض التسلّط والتحكّم غير المبرّر لا أخلاقياً ولا دينياً.