ملف: "السوريون سيغادرون".. الوصفة السحرية للمعارضة التركية (1)

25 مايو 2023
+ الخط -

في أكبر ميادين البلاد وأشهر شوارعها، ستقابلك لافتات عملاقة، مقصودٌ أن تكون ضخمة على هذا النحو، لا تطالبك بالتصويت، ولا تعرض إنجازات، ولا تنادي باحترام الديمقراطية، ولا تقسم على بناء مستشفيات ومرافق ومدن جديدة، وإنما تعد بشيء واحد هو الأبرز في الحملة؛ تعد بترحيلك "السوريون سيغادرون"، هذا ملخص الدعاية كلها!

نحو سبعة وعشرين مليون شخص في الجولة الأولى من الانتخابات التركية راهنوا على رحيلك، لا شيء آخر، لا مستقبل البلاد ولا حقوق الإنسان؛ الذي تحمل أنت صفته، وإنما من أجل الظروف المعيشية، ومن أجل الاعتبارات الأيديولوجية، وأكبر من هذا وذاك، فجميعهم توحّدوا على مطلب واحد، لا نريد لاجئين في بلادنا.

في لقاءات الشوارع التي يمتلئ بها الإعلام التركي هذه الأيام، خرج البعض بفرضيات عجيبة، لا تتعلّق وحسب بتفضيلهم بقاء العرب المقيمين أو رحيلهم، وإنما بحجم اللوزة الدماغية لديهم، وهل هي مثل بقية البشر أم أنها أقرب إلى "مخلوقات أخرى"!، قال الرجل إنّ هؤلاء اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان والعرب عمومًا (حسب ما درس في الوراثة)، لهم صفات جينية مختلفة عن الجنس البشريّ، إنهم مخلوقات أخرى!

لمَ لا؟ وفي الخطاب الأهم المنتظر بعد الجولة الأولى من الانتخابات والذهاب إلى الإعادة، خرج المرشح اليساريّ المعارض، كمال كلجدار أوغلو، في خطابه المزلزل، ليرهّب الناس من اللاجئين، مهدّداً إن لم يصوّت الشعب له، فلن تستطيع الفتيات السير في أمان ليلًا، وستنتشر الفوضى والسرقة والتحرّش، ولن يستطيعوا العيش وسط 13 مليون لاجئ سوريّ (رغم أنّ الأرقام الرسمية تفيد بأنهم 3 ملايين ونصف مليون فقط)، ليصنع فزّاعة جديدة منافيًا أبسط قواعد الإنسانية، ومهما كان اختلافك بخصوص "الحقوق والحريّات" مع الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان، فإنّ ما يحمله هؤلاء لا يقارن بشيء أبدًا، إنه مروّع وبشع وفظيع.

عدد السوريين في تركيا يقارب عدد الأتراك في ألمانيا، لكن المعارضة أحاديّة النظرة، لا ترى إلا بعين واحدة

عدد السوريين في تركيا يقارب عدد الأتراك في ألمانيا، لكن المعارضة أحاديّة النظرة، لا ترى إلا بعين واحدة، وتغمض عينها الأخرى عن بقية المشهد، تتخذ من السوريين ذريعة لحشد الناس معها، غافلةً عن تأثير ذلك على هؤلاء الناس (الذين ليسوا بشرًا بالتأكيد، فلا تهم أحاسيسهم)، ومتجاهلةً أثره في الشارع، حين ينظر إليك الكثيرون ما دمت أجنبيًّا، على أنك راحل قريبًا، بنظرات حادّة، تحقّرك، وتخيفك.

في أي مناسبة، في أيّ مكان، في أيّ وقت، السؤال الأول الذي يوجّه إليك: "هل أنت أجنبي؟"، ليس لتبادل الثقافات أو التعارف أو المساعدة، ولكن لأنه بناءً على إجابتك سيحدّد تعامله معك، احتراماً أم احتقاراً، تحدّثاً أم ازدراءً، يشكرك بعد صنيعك له أم يلعنك سرًّا وجهرًا، بل فجأةً ومن دون مقدمات، قد يعتدي عليك بلا سبب!

"ياما دقّت على الراس طبول"، هذا ما صار في وجدان جميع المقيمين هنا، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ولن يصيبنا أفظع مما رأيناه قبل الوصول إلى هنا، تبدّل الخوفُ توّكلًا، والرعب تسليمًا، والترقب تفاؤلًا بأنّ خطاب الكراهية، والحملات اللاإنسانية الشرسة، والدعاية القائمة على إرسال الآخرين للموت لأنهم من عِرق مختلف أو يحملون جنسية أخرى، لا تحقق إلا انتصارات مؤقتة ومزيفة، ولأنّ الجانب الآخر (مهما كانت ادعاءاتك) أكثر احترامًا، بكثير.

والآن لنرَ، هل سيرحل السوريون أم سيرحل كمال كلجدار أوغلو؟