مشاهير التدين... تصريف أزمة المعنى
يكشف وضع مغني الراب السابق إلياس الخريسي، والممثل السابق هشام البسطاوي، وغيرهما، عن الرغبة الجامحة في إظهار الذات، والحصول على التقدير والاعتراف، والتي أَغْرَقَهَا المجتمع في الإنكار، وربّما الإذلال.
المشكلة تبدأ عندما يحاول الشاب بناء معنى لحياته، في ظلّ عالم يموج بالأفكار العابرة للقارات، فلا يجد سوى التناقضات الصارخة، بين تعاليم الدين والواقع. وفي ظلّ غياب حرية الاختيار، يختار الفتى الخروج عن مِلّة المجتمع والانتماء لعقيدة صارمة وواضحة. غير أنّ تفكيره لا يمكن أن يعمل بطريقة مختلفة عن تلك التي تربّى عليها.
حالة التدّين المفاجئ هذه، تبدأ كموجة صادمة، أو تراكم تدريجي في مواجهة مجتمع يطالب الناس بالامتثال للتقاليد الصارمة ضمن واقع متناقض. مجتمع يجعل مهمتك الوحيدة هي ابتلاع التقاليد ونقلها إلى الجيل التالي.
تديّن الشباب الفقير، والذي قد يكون بائعاً متجولاً، أو صاحب سوابق عدلية، أو مجرّد باحث عن المعنى من أبناء الطبقة الوسطى... يكشف عن رغبة جامحة في الحصول على الاعتراف. فبعد أن كان الفتى مغموراً في محيطه، سيمنحه التديّن الصارم نجومية من نوع خاص، سيمنحه الكلمة، وبإمكانه الآن التعليق على لباس أخته غير المحتشم، وتوجيه والدته في أمور الدين، وانتقاد المبالغة في مصاريف عرس فلان، وسيقود الجنازات، ويحلّ طقوساً جديدة محلّ طقوس الأجداد... سيصبح صاحب كلمة بعدما كان مغموراً.
وسلطة الكلمة هذه ستعيد تدوير إحساسه بالدونية وغياب التقدير أمام المجتمع المتناقض. هكذا سيعشق الفتى دوره الجديد الذي منحه لنفسه بكلّ ثقة: المُخلّص، والذي (أخيراً) وجد لنفسه مبرّراً يمنحه المعنى والأهمية لدى أناس كانوا يتجاهلونه، لكنهم الآن مضطرون إلى خشيته، بفعل تناقضاتهم الدينية، وقبولهم لضرورات الواقع كما هو. سيصبحون في موقف الدفاع الدائم أمام الفتى: على البِنت أن تبرّر له الجمع بين غطاء الرأس وسروال الجينز، وعلى والده أن يبرّر له تخلّفه عن الصلاة.
المشكلة تبدأ عندما يحاول الشاب بناء معنى لحياته، في ظلّ عالم يموج بالأفكار العابرة للقارات، فلا يجد سوى التناقضات الصارخة بين تعاليم الدين والواقع
انظر إلى التعليقات المتواتر على فيديوهات الأغاني، أو المشاهير... ستجد عبارات مثل: "ماذا عن كلام الله؟"... وليس أمام صاحب الفيديو الآن سوى الدفاع عن نفسه وتبرير تساهله!
النساء هنّ الحلقة الأضعف، والأكثر عرضة للتناقضات الاجتماعية، لهذا "فَتِّش عن المرأة" وسَتَجِدُهُ هناك غالبا. باختصار إنّ شرطي المخالفات هذا لا بد أن يكون ظاهراً وسط الطريق حتى يشعر بسلطته. هكذا يشعر بالمعنى الوجودي، ويحصل على غنيمة موازية، أي تغذية رغبته النرجسية والخفية (والتي ينكرها دائما) في الحصول على التقدير والاعتراف والمكانة، في ظلّ ثقافة لا تؤمن بالاعتراف أو التقدير. ولن يرغب في الاحتماء بذاته كما قد يفعل المتحوّل إلى الصوفية، أو رفض الدين كما يفعل آخرون. وربما تختفي هذه الرغبة مع التقدّم في العمر والتجارب، أو يجد جماعة منسجمة تمنحه صورة تبدو له معقولة عن الحياة، لكنه سيضل يطارد الناس حتى يمتلئ.
إنه وضع يقدّم إجابة سيئة عن سؤال حقيقي! لأنّ حرية التدين والاعتقاد هي ما يخلق مواطنين أسوياء في نهاية المطاف.