مسافة بين عالمنا وعالم "السيد روبوت"

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
لا تزال الأرض من حين إلى آخر تهتز تحت ضربات الهجمات الفيروسية، وهو ما حدث صيف هذا العام. ترابطت البلدان، من أميركا إلى شرق آسيا، كما لم تنج أفريقيا أو البلاد العربية، وفي نفس الوقت مسّ التهديد قطاعات متعدّدة من البنوك والبورصات إلى المؤسسات الإعلامية، وصبّ كل ذلك في الوعاء الكبير للسياسة الدولية. لا شيء ينأى بنفسه حين يتحرّك قراصنة الكمبيوتر.

ما حدث يحيل، كما مع ظواهر كثيرة من بينها الإرهاب أو صعود شخصية سياسية، إلى إشارات ظهرت في السينما التي نضع غالباً ما تقدّمه في المناطق البعيدة للافتراضي وغير الواقعي، فيما تكون هي الأقرب إلى وصف الوقائع بصور تقريبية أحياناً، ويحدث أن يكون ذلك بشيء من الدقة في بعض المناسبات.

في سلسلة "السيد روبوت" (عُرض جزؤها الأول في 2015) نقف أمام عالم تصبح فيه التكنولوجيا ميدان الصراع الأساسي، إنها أداة ابتزاز، وأداة سيطرة وتحرّر، وأحياناً تترابط جميع هذه العناصر فتكون التكنولوجيا أداة ابتزاز من أجل التحرّر.

تقدّم السلسلة شخصية إليوت أندرسون، وهو مهندس عارف بخفايا عالم الكمبيوتر وكواليسه، ومن خلاله تضاء طرق الابتزاز بأنواعها المادية والنفسانية، وتظهر التكنولوجيا كأضواء كاشفة لا تترك شيئاً خارج المنظور، خصوصاً أن أندرسون قد جعل هوايته قرصنة حسابات معارفه، ومعارف معارفه، ليقف من حين لآخر كمحقق للعدالة مستخدماً "القوة السرية" التي لديه.

مواهب إليوت جلبت إليه اهتمام جماعة قرصنة تسمّي نفسها بـ"أف سوسايتي" وتقدّم أطروحات "فوضوية" (إذا كان ممكناً استعمال هذه العبارة القادمة من القرن التاسع عشر) ومضادة لهيمنة الشركات الكبرى، ومنها تلك التي يشتغل فيها المهندس الشاب.

جماعة يتزعّمها "السيد روبوت" الذي سنكتشف لاحقاً أنه والد إليوت، ثم إن هذا الأب قد رحل منذ سنوات فهو شخصية متخيلة، إذ إن المهندس مصاب بأمراض نفسانية ومدمن مخدّرات، وهكذا نجد أن الزعيم الحقيقي للجماعة ليس سوى آخر منتسب لها.

تنجح "أف سوسايتي" في هجمة فيروسية تخترق كل الأجهزة وكل الشاشات، يبدو ذلك مثل انتصار للإرادة المضادة للهيمنة على هذا العالم، ولكن السؤال الأخطر بعد تحوّل الإمكانية إلى واقع، أين يمكن توظيف هذا الانتصار؟ ألن يكون بداية هيمنة جديدة؟ أسئلة مفتوحة لم تقدّم إجاباتها في السلسلة، ولم تصل الأمور في الواقع إلى هذا الحد، ولكن الاحتمال وحده يفتح على الرعب والمجهول.

حين عُرض الجزء الأوّل في 2015، ربط بعض النقّاد والمتابعين بين توظيف التكنولوجيا في مواجهة السلطة، وما حدث في البلاد العربية في 2011؛ من تونس إلى سورية، مروراً بمصر وليبيا واليمن. أكثر ما وجّه الأنظار نحو هذا الربط هو أن كاتب العمل، سام إسماعيل، مصري الأصل، وكذلك مجسّد دور إليوت أندرسون، رامي مالك.

في ما عدا ذلك، هل كان استعمال التكنولوجيا في 2011 وما بعدها بهذا البعد الواسع، وهذا الوعي بالقدرات؟ يصعب قول ذلك، فالمسألة لا تتعدّى أن تكون حسن استغلال لفضاءات الفيسبوك ويوتيوب، في بروفة جديدة سبقتها بروفات سابقة في إيران وأوكرانيا وغيرهما.

أيضاً بدت الهجمات الفيروسية هذا الصيف، رغم ما رافقها من الذعر، مجرّد مشاغبات مقارنة بما يقترحه القراصنة الذين يأتي بهم خيال كتّاب السيناريو. هكذا نفهم أنه لا تزال هناك مسافة كبيرة بين عالمنا وعالم "المستر روبوت"، غير أن ظهور السلسلة وشعبيتها وتواصلها (يوجد جزء ثان لها) يكشف درجة اهتمام عالية بآفاق التكنولوجيا وأدوارها مستقبلاً، وقد يكون دور العمل هو أن يشير فقط إلى فزاعة في آخر الطريق، لا يمكننا اليوم أن نقدّر هل يوجد في تجاوزها عالم أفضل من عالمنا أم أسوأ، وهل أن مشاكلنا مع السلطة ستتفاقم هناك أم ستجد تسويات على طاولات التكنولوجيا؟

دلالات