مرشحو الرئاسة في مصر

07 يوليو 2024
+ الخط -

بينما نحن جالسون أمام التلفاز لمشاهدة المناظرة الأولى بين بايدن ومنافسه الشرس ترامب - الذي لم يكن متحفظًا في انتقاده للرئيس الأميركي وأدائه في إدارة البلاد - دار نقاش عن الديمقراطية في مصر وعن حلم 25 يناير الذي بددته قوى الشر. وكذلك تساءلنا عن ضحايا المشهد الانتخابي خلال السنوات الماضية، وأعداد المسجونين من هؤلاء الذين حاولوا منافسة الرئيس، وحجم المليارات التي أنفقت هباءً لتزيين مشهد لم ننجح فيه قط.

كان دونالد ترامب يتحدث بأريحية شديدة ويقلل من شأن بايدن بكل ثقة، وبلغ به الأمر أن يصفه بالفاشل والطفل. كان يتحدث بفظاظة أحيانًا في دقائق حظيت بمتابعة عربية كبيرة واهتمام عالمي واسع.

لا يفعل ذلك كونه ترامب، لا بل كل مواطن أميركي قادر على انتقاد الرئيس ووصفه بكلمات لو قالها أحد مواطني بلدي لحكم عليه بمئات السنين، ومع ذلك يذهب ذلك الأميركي إلى بيته سالمًا في أمان، لأنه في حماية ديمقراطية كفلها الدستور.

وبينما انشغل الحضور بالأزمة الأوكرانية الروسية، والحرب على غزة وقضايا الإجهاض والتضخم وخلافه من القضايا المؤثرة في الملف الانتخابي، تذكرت هؤلاء الذين حاولوا الترشح للانتخابات الرئاسية ومنافسة الرئيس السيسي في مصر خلال العام 2018 و2023، تساءلت أين هم الآن، وقررت أن أبحث عن أبرزهم وأي طريق سلكوا.

كان أحمد الطنطاوي آخر هؤلاء الذين نُكِّل بهم، إذ حكم عليه بالسجن لمدة عامين بعد أن حاول جمع توكيلات لمنافسة الرئيس على كرسي الحكم، وحينها شيطنت وسائل الإعلام تلك المحاولة ووصفته بالخائن العميل الذي يسعى إلى هدم مصر، مما دفع بعض "المواطنين الشرفاء" إلى التعدي عليه بالضرب في إحدى جولاته الانتخابية.

العقيد أحمد قنصوة أعلن في فيديو مدته خمس دقائق عزمه على الترشح، ولم يمر اليوم إلا وتم القبض عليه وعوقب بالسجن ستّ سنوات بعد جلسة واحدة أمام القضاء العسكري، لم يتمكن خلالها من الدفاع عن نفسه. كذلك تذكرت المشير سامي عنان، صاحب الجملة الشهيرة التي قالها شعاراً لحملته الانتخابية "أيها الشعب السيد في الوطن السيد"، ليختفي بعدها هو وفريق حملته لسنوات طويلة ثم يخرج ليلزم بيته ولا نسمع له صوتًا.

كان دونالد ترامب يتحدث بأريحية شديدة ويقلل من شأن بايدن بكل ثقة، وبلغ به الأمر أن يصفه بالفاشل والطفل

أما الفريق أحمد شفيق، رئيس وزراء مصر السابق، الذي كان يقيم في دولة الإمارات وأعلن منها نيته الترشح إلى منصب رئيس الجمهورية، فقد عاد في طائرة خاصة ليكمل إجراءات الترشح اللازمة، إلا أنه وجد نفسه في سجون الرئيس الحاليّ، يكمل أوراق قضيته التي بموجبها قُبض عليه وذهب من الطائرة مباشرة إلى السجن.

كلُّ هؤلاء وآخرون ممن رشحوا أنفسهم لمنصب الرئيس لم ينجُ منهم إلا القليل، فقد مكنت السلطات المهندس موسى مصطفى موسى من استكمال أوراقه، وكان هو المنافس الوحيد أمام الرئيس السيسي في انتخابات 2018 التي اكتسحها بالطبع، وخرج في مشهد المنتصر على منافسه الشرس، أو هكذا كانوا يروجون.

الرئيس السيسي سمح لمرشحين بمنافسته ليزين العملية الانتخابية أمام العالم، ففي انتخابات ديسمبر 2023، حصل المنافس حازم عمر على نحو مليوني صوت بنسبة 4.5%، بينما حصل المرشح فريد زهران على 1.7 مليون صوت بنسبة 4%، وجاء في المركز الرابع المرشح عبد السند يمامة بحصوله على 822 ألف صوت بنسبة 1.9%.

وتصدّر الرئيس عبد الفتاح السيسي في تلك الانتخابات، وحصل على نحو 40 مليون صوت بنسبة 89.6%، ليثبت للغرب أن مصر ديمقراطية، وفيها انتخابات حقيقية فاز فيها بكل شرف ونزاهة، هؤلاء المشاركون لا خطر عليهم ولا هم يحزنون، فهم أدوا أدوارًا رسمت لهم ببراعة. حتى تصريحاتهم وشعاراتهم الانتخابية كانت تُملَى عليهم وهم يقرؤونها بدقة وبلا مجال للارتجال.

عندما استيقظت في الصباح التالي من المناظرة، وجدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقول إن الرئيس جو بايدن أثار بأدائه المتعثر والمفكك ليلة الخميس، في أول مناظرة انتخابية للرئاسة الأميركية، موجة من الذعر بين الديمقراطيين وأعاد فتح النقاش حول ما إذا كان ينبغي أن يكون مرشحهم على الإطلاق.

كيف يعيش هؤلاء هكذا، ينتقدون رئيسهم ويصفونه بأوصاف لو نطق بها أحدنا في بلاده لأدخل السجن مدى الحياة، ومع ذلك يعودون إلى ديارهم آمنين، وليس ذلك فقط، بل يعدهم الرئيس الموبّخ بتحسين أدائه، والعمل على النهوض بالدولة. الرئيس لديهم موظف يحاكم ويسأل وربما يسجن. لم ينتخبوه ليكون لهم إلهًا معصومًا من الخطأ. هو يعلم وهم يعلمون، أنه موظف لأربعة أعوام إذا نجح يمنحونه أربعة أخرى، وإلا فليذهب إلى حيث لا رجعة ونأتي بغيره، كما فعلوا مع ترامب الذي كان في أوج انتصاره وقوته.

لا يصبح الرئيس إلهاً يحكم حتى يموت، أو ينقلب عليه الجيش، إلا في بلدان بعيدة لا مجال فيها لصندوق ولا اعتبار لانتخابات، إذا جلس الجنرال على كرسي الحكم، فلن يغادره طواعية أبدًا وذلك ما يحول بيننا وبين النهضة والنمو، وهو لا يدري معنى أيٍّ منهما.