محطة مترو (الشهداء)
اليوم الإثنين 25 يناير 2021، وهو يوم عطلة رسمية وعادة ما أزور ابنتي في أيام الجمع والعطلات الرسمية، فهي تقيم في إحدى الضواحي القريبة من ميدان الجيزة، وغالباً ما تكون وسيلة مواصلات رحلتي ما بين مواصلات عامة أو ميكروباص.. وبعد انتهاء الزيارة وقضاء يوم ممتع مع ابنتي وزوجها وحفيدتي، أعود أدراجي بنفس وسائل المواصلات، لكن اليوم ولظروف ما ركبت مترو الأنفاق لتكون محطة نهاية الرحلة بالنسبة لي محطة مترو (الشهداء)..
اليوم وفي تلك اللحظة التي هدأت فيها عجلات المترو مؤذنة بنهاية الرحلة والوصول، نظرت إلى تلك اللافتات ذات الخلفية البيضاء والأحرف الزرقاء مستطيلة الشكل، المكتوب بداخلها كلمة (الشهداء)، وكأنها شاشة عرض لفيلم سكوب ألوان يعيد ذاكرتي إلى تلك الأيام العظيمة في تاريخ المصريين، وتلك الحالة الفريدة التي كان عليها المصريون في حالة من التجرد غير مسبوق..
هل ستظل -تلك- اللافتة (الشهداء) ثابتة شامخة صامدة أمام محاولات طمس وحجب كل ما يتعلق بثورة 25 يناير؟!
حالة تلاشت فيها الطبقية والطائفية والأيديولوجية، حالة من الفضيلة والمثل العليا، حالة من التعاون والمحبة والإخاء، حالة انصهر فيها الجميع في بوتقة واحدة صلبة ومتماسكة..
كلما سقط شهيد أصبحت أكثر صلابة وأشد تماسكاً.. أتذكر موقعة الجمل تلك الملحمة التي قدمها الثوار الأبطال وكيف انتصر فيها هؤلاء الأحرار العزل على أولئك الهمج المأجورين المدججين بالأسلحة والخيول والجمال.. تلك الملحمة التي لو كان عاصرها (هوميروس) لصاغها شعراً في صدر أسطورة الإلياذه..
أتذكر صوت الشيخ إمام يملأ الميادين وهو يشدو كما لم يشد من قبل (يا مصر قومي وشدي الحيل) يشدو بصوت الثابت الواثق.. تذكرت كيف سالت الدماء، وكيف تحقق الانتصار، تذكرت صوت الأذان يهز أرجاء الميادين، تذكرت إقامة الصلاة وكيف كان المسيحي يوضئ المسلم ويحرسه وهو يصلي في مشهد شفاف وتلقائي، ولأول مرة ينصهر الهلال والصليب في بوتقة الوطنية على غير الصورة النمطية المبتذلة والتي رأيناها كثيراً في الأفلام والمسلسلات الموجهة والساقطة..
تذكرت يوم التنحي، يوم الانتصار العظيم، يوم الفرح الأكبر، يوم الكرامة والعزة، يوم لا تستطيع الأحرف والكلمات وصفه.. تذكرت صور الشهداء تملأ الميادين، وأول نصب تذكاري خشبي لصور الشهداء.. تذكرت أهالي الشهداء رافعين صور أبنائهم وفي أعينهم فرحة النصر ممزوجة بآلام الفراق.. تذكرت كيف اندهش وانبهر العالم بتلك الثورة.. وكيف رفع الجميع القبعة لهؤلاء الشباب!
تذكرت أيضا بكل مرارة وأسف.. كيف كانت الهزيمة بتلك السرعة وعلى غير المتوقع!.. جرس المحطة يرن إيذاناً بغلق الأبواب والانطلاق.. علي الآن أن أنزل.. وقفت أمام اللافتة (الشهداء) خجلاً حزيناً.. وتساءلت: هل هذه اللافتة (الشهداء) آخر ما تبقى من ثورة 25 يناير؟!..
هل باتت محطة ( الشهداء) الشاهد الوحيد على تلك الثورة؟ هل ستظل -تلك- اللافتة (الشهداء) ثابتة شامخة صامدة أمام محاولات طمس وحجب كل ما يتعلق بثورة 25 يناير؟! هل سيستطيع المصريون استعادة ثورتهم..أم باتت الهزيمة هي الفصل الأخير؟!.