ما قيل في غزّة أفصح من كلِّ قول عنها
ليس حنينًا هذا الشعور الذي يحيطُ بفكرةِ الكتابة عن غزّة، فمعظمنا من جيلٍ لم يكن باستطاعته زيارتها، وليس تطلّعًا، لأنّ المستقبل بالتأكيد سيكون أفضل. إنّه الإيمان، بأنّ إعادة الماضي المسروق، وتحقيق الآتي الموعود، يمرّان من هذه الطريق.
ماذا نقول لغزّة؟ ونحن العارفون أنّ شعور الذنب لا يفارق الناجين. وكيف نتوق لما هو أفضل وثمّة من يدفع، سوانا، ثمن هذا التوق؟
ليس ثمة ما يُقال لغزّة أو عنها، لكن ثمّة بالتأكيد ما يُقال فيها، عن جموعِ الذين ينتمون إلى الحنين، فيتحصنون به قبالة الدمار. ينظرون إلينا، نحن البعيدين، نظرةً لا تقريع فيها، مع أنّنا نستحقها، ولكنْ حثّ العارف المتسامح على المضي في الدرب نفسه، الذي يخبروننا بدمائهم يومًا بعد آخر، بأنّه الدرب الصحيح الوحيد.
تظهّر غزّة بكثير من دمها الساخن، أفقنا المشوّه، وتعطي لنا دليلًا لا ينكره إلا متواطئ، أنّ الممكن هو المرغوب
تظهّر غزّة بكثير من دمها الساخن، أفقنا المشوّه، وتعطي لنا دليلًا لا ينكره إلا متواطئ، أنّ الممكن هو المرغوب. ادّعت غزّة أنّنا قادرون على الانتصار، وكان شهداؤها الطاهرون بينة من ادعى، ولم يكن لنا نحن، إلا دور من يصدّق مجبرًا.
لم يعدْ لنا نحن المتذرعين بالتيه أيّ مبرّر، فبوصلة غزة الآن أوضح من كلِّ وقت مضى. قلنا نحن المتخمين إنّنا بحاجةٍ إلى طريق، فطوّعته غزّة بالجوع والقهر.
هل غادرتم أيّها الغزيّون من متردم؟ وهل تركتم لنا لغة للحديث؟ أم تركتمونا أميين أميّة العجز، وجاهلين جهل المهزوم؟ وقد فهمنا متأخرًا، أنّ ما قيل في غزّة أفصح من كلّ قول عنها.