لنكن أكثر إنصافاً

18 يونيو 2023
+ الخط -

وقفت مندهشاً حيال تصرف بعض الأشخاص، صغار العقول وفاقدي الضمير، الذين لم يفرقوا في هذه الدنيا التي نعيش بين الغثّ والسمين، وفوق ذلك طعن الآخرين الذين يفوقونهم مكانة ورفعة بأخلاقهم، بهدف الإساءة لهم والنيل منهم!

أمثال هؤلاء، وللأسف، أصبحوا مكشوفين لعامّة الناس، وهم بذلك صاروا يتفنّنون بتكريس ألوان من الحقد المبطن بالغلّ.. ويسعون جاهدين في القصاص منهم، والإساءة إليهم وبأي ثمن كان. هذا ما جبلوا عليه، وهذا ما يفرحهم ويسعدهم ويرضي رغباتهم!

***

هناك بعض الأشخاص ممن يدعون الثقافة، ومن المتميزين في دراستهم، وسبق أن نالوا علامات متفرّدة في الثانوية العامة، ونجحوا بامتياز، ودخلوا الجامعة من أوسع أبوابها، وقبلوا في كليات لها مستقبلها المشرق.

أمثال هذه النخبة صاروا يتطاولون بالكلام البذيء وغير المألوف على منشورات زملائهم الأكثر منهم تفوقاً وتميزاً بمناسبة وبلا مناسبة، ويعلّقون على منشوراتهم بكلام معسول وجارح!

وهنا أقول إنّ الكلام صفة المتكلم، ومن اللائق الابتعاد عن هذه الخزعبلات التي لا تمت لا للتربية، ولا للأخلاق، ولا للعلم وتراتبيته بصلة!

"فيسبوك" موقع اجتماعي متفرّد وجد للتواصل والتخاطب والتعليق بحدود الأدب على ما يكتب هنا وهناك، بذوق وبكل احترام، والأجمل ما فيه هو الابتعاد كلياً عن الكلام الماسخ الذي يثير الاشمئزاز.. وهذه من أبسط الأشياء التي يجب علينا الالتزام بها، ومن القبح بمكان أن نشير في تعليقاتنا إلى ما يخدش الحياء، وعدم الاتزان في الرد، وهذا ما يعني أن صاحب التعليق غير قادر على إيصال فكرته، وضعف اللغة التي ينتمي إليها، وليس لديه القدرة على ترجمة ما يريد، ما يدفعه إلى مهاجمة الآخرين وبكل شراسة وعنف، وإن كان زميلاً، أو صديقاً، أو حتى قريباً له! ويمكن أن نطلق على أمثال هؤلاء بمتطفلي "فيسبوك"، الذين يحتاجون إلى تقشير، وإعادة روداج وتعليم!

 فيسبوك موقع اجتماعي متفرّد وجد للتواصل والتخاطب والتعليق بحدود الأدب على ما يكتب هنا وهناك، بذوق وبكل احترام، والأجمل ما فيه هو الابتعاد كلياً عن الكلام الماسخ الذي يثير الاشمئزاز

***

يَتساءل كثيرون ممن يتاح لهم السفر خارج البلاد، ويشاهدون النظافة والنظام ونفاذ القانون واستقرار الحياة في تلك البلاد المتقدمة حضارياً، بغض النظر عن غنى هذه الدولة أو فقرها، عن مدى الإهمال التي تعيشه كثير من دولنا العربية في مجال الخدمات التي تقدم للمواطن! فلماذا لم نستطع أن نصل إلى مستوى حياة كريمة يلمسها المواطن ويعيشها، فضلاً عن أن تكون تلك الحياة مرفّهة كحال دول الخليج، ومتقدمة تكنولوجياً وعمرانياً وثقافياً وحضارياً كدول أوروبا؟

لماذا لا نزال تحت وطأة مشاهد الزبالة في الشوارع وحفريات الطرقات؟ وما زلنا نكتوي بنار انقطاع التيار الكهربائي برغم الأموال الكثيرة التي أُنفقت عليها، وهكذا كل الملفات المتعلقة بحياتنا لا تزال متراجعة، بل هي في تراجع مستمر. كل ما تقدم سببه عدم الإخلاص في العمل، وتأدية الأمانة الوظيفية، سواء لموظف كبير أو صغير، حتى الفساد الإداري والمالي الذي كان وما زال في كل مآسينا أيضاً سببه الرئيس هو خيانة الأمانة من القائمين عليها في أي موقع وظيفي كانوا.

إنَّ توفرت الإرادة، توفرت كل مقوّمات تقديم الخدمة الجيدة للمواطن، سواء كانت تلك الخدمة بلدية، اقتصادية، أمنية، تعليمية، صحية، وكل أنواع الخدمات.

إنّ توفرت الإرادة هذا يعني توفرت معها الخطط والأفكار والأموال والخبرات والدافع، ومن ثم توفرت المشاريع. توفر الإرادة الخطوة الأولى برحلة الألف ميل في تقديم كل ما تقدم ولن تتحقق هذه الإرادة ما لم يتحقق الإخلاص.

***

قرأت خبر الاحتفالية بكاتب مدينة الرّقة السورية الروائي والقاص إبراهيم الخليل الذي تم تكريمه قبل أيام في مدينة اللاذقية من قبل اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وبحضور أعضاء المكتب التنفيذي، كما حضر التكريم أعضاء فرع اتحاد الكتاب العرب في كل من محافظتي اللاذقية والرّقة، وجمهور هزيل جداً لم يتجاوز عدده الأربعين، بما في ذلك أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وأعضاؤه في اللاذقية والرّقة، إضافة إلى عدد من أساتذة جامعة تشرين وطلبتها.

بهذا العدد المخجل الذي حضر لجهة تكريم قامة إبداعية أحد كتاب الرّقة الروائي والقاص إبراهيم الخليل، الذي وصفه يوماً الكاتب والمخرج المسرحي الدكتور حمدي موصللي بـ"صفاصفة الشرق.. مولاي! إنّ تكريمك اليوم، وإن جاء متأخراً، سيسجل لاتحاد الكتاب العرب ممثلاً بالرئاسة.. موقفاً جميلاً أنكرته عليك بعض الجهات المؤسساتية.. تبقى أيقونة من بلدي، وشمعة تضفي على المكان رونق الأصالة بألوان الضياء. مولاي الخليل.. وأنت العزيز الملهم.. دمت بسلام يا كبير".

وهو حقاً يُعد من أبرز كتاب الرّقة، مسقط رأس الأديب عبد السلام العجيلي، ولكن تمنينا أن يكون الحضور يليق بالمبدع الخليل الذي، للأسف، ما رأيناه من جماهير مشاركة في التكريم لا يليق بتاتاً بكاتب له اسمه، وسمعته، ومكانته، وإنتاجه الأدبي على مدى سنوات.

هذا هو شأن الأدباء والكتاب الذين يعيشون في الكواليس، ولا يوجد، وللأسف من يأخذ بيدهم ويهتم بهم، ويحترم ما سبق أن قدموا من جهد ووقت دون مقابل، لأجل الحرف، وفحوى الكلمة التي تظل تشغل الناس، وحضورها له ما يميزه.

وإن كان المحتفى به بسيطاً، يعيش أيامه الأخيرة، وبحاجة إلى من يساعده ويهتم به.

هذه حالة كاتبنا الكبير الذي نأمل أن يعاد النظر بتكريمه، والاهتمام بصحته، على قدر ما قدم من جهد طوال السنوات الماضية في سبيل الكلمة.. ولا نسعى سوى لتحقيق العدالة والإنصاف بين كاتب وآخر، أم أن هناك خيار وفقوس في الشكل والمحتوى في عالم الأدب.

فالنجاح لمن يغلب بعيداً عن المظاهر الخداعة، الأهم من هذا وذاك هو مقدار العطاء والاجتهاد والتألق هو ما يدفع به الكاتب، أياً كانت مكانته وحجم إبداعه، بعيداً عن المكان الذي ولد وعاش فيه، ويستجمع فيه همته ليعيش ما تبقى له من أيام بين أهله وأصدقائه.

لنكن أكثر إنصافاً وعدلاً بحق الروائي والقاص إبراهيم الخليل!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.