عن الاحتيال وحفاوة الاستقبال

28 اغسطس 2023
+ الخط -

اهتمامه المتزايد بما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" دفع به إلى متابعة كثير من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وما أكثرهم من خلال قراءة صفحاتهم بصورة آنية ومستمرة. وعشقه الدائم للسفر إلى بلاد العم سام، والتعرف على وجوه جديدة عربية وغيرها بعد حصوله على تأشيرة زيارة إلى تلك الأراضي التي تظل حلماً بالنسبة للكثير من محبّي المغامرة والتطلع إلى بلاد يجهلها كثيرون، ويمنون النفس بزيارتها لجهة السياحة أو العمل، لا سيما أنَّ الدولار يُشكل دخلاً كبيراً بالنسبة للراغبين في اختيار تلك الوجهة ما دفع به إلى تجسيد ذلك الحلم مهما كانت التضحيات.

متابعته الجدية واليومية، والرغبة الشديدة في السفر إلى تلك الأراضي البعيدة، دفعته إلى التعرّف على امرأة في الأربعين من عمرها تقيم في إحدى الولايات الأميركية مع اثنتين من بناتها ما زلتا في مرحلة الصبا، وشاب صغير طالما توبّخه وتلعنه وتحاول أن تصرفه عن البيت الذي تقيم فيه لا لشيء إلّا لأنه يعرفُ كثيراً عن خصوصيتها، والأعمال التي تقوم بها من وراء الكواليس!

حياة تلك الأم التي تعيش مع أولادها الثلاثة، منذ أكثر من أربعة أعوام، والحال الجيد الذي هم فيه، فضلاً عن توافر الكثير من الاحتياجات بالنسبة لهم.. ناهيك بامتلاكها سيارتين حديثتي الصنع من ماركات معروفة، جعلها تضرب بعرض الحائط أي إنسان يرغب في الزواج منها، وترفض الفكرة من أساسها، لا سيما أنها ترتبط بعلاقات غريبة وكثيرة مع أناس مقيمين خارج الولايات الأميركية، وتحاول جاهدة العمل على استغلالهم وابتزازهم بأي صورة كانت! هذا ما عرفه صديقي عنها بعد أن وصل إلى تلك الولاية التي تقيم فيها، وعاش معها فترة قصيرة.

قبل سفره بأيام طلبت منه الذهاب إلى إحدى المدن القريبة من مدينته لإحضار هاتف موبايل حديث سبق أن أرسله لها أحد المغتربين العرب المقتدرين مادياً، وحال وصول صديقي الذي قرر الذهاب إلى حيث تقيم لم يبخل في شراء بعض الهدايا لها ولبناتها، راغباً في مساعدتها له في بلاد يجهلها، علّها تُسهم في تعريفه بأشخاص عرب مقيمين هناك ربما يستفيد من فرصة عمل تناسب رغبته وهوايته.

أستقبل صديقي بحفاوة كبيرة في مطار المدينة الكبيرة، وكانت فرحة صديقته وبناتها به لا توصف. ركب في سيارتها الفارهة وتوجهوا سوية إلى أحد مطاعم المدينة، وبعد أن قضوا ساعات إلى ما بعد منتصف الليل توجهوا بالسيارة إلى مكان إقامتها وأسرتها الصغيرة، حيث تقيم في مدينة تبعد أكثر من ساعة ونصف بالسيارة من مركز المدينة الرئيسة.

في بيتها المتواضع اجتمع الجميع، وخصصت له صديقته غرفتها للنوم فيها، بعد تحضيرها بشكل جيد. وفي ساعات الليل المتأخرة دخلت إلى غرفته محاولة النوم إلى جانبه في سريرها إلّا أنه رفض طلبها، معللاً الموقف بصورة لم يعتد~ عليها، وتحمّل غلاظتها، وبعد جدال بينه وبينها طلب منها مغادرة الغرفة التي ينام فيها بكل ود.

في اليوم التالي تفقد صديقي جيوب جاكيته الجلدي باحثاً عن نقوده التي كانت بحوزته. بحث في كل مكان في جيوب بنطاله، في حقيبته الجلدية الصغيرة التي كان يحملها على كتفه، في ملابسه دون فائدة. لم يجد ضالته. سألها باستحياء عن مصير المبلغ المالي الذي فقده في بيتها، أجابت ببرودة أعصاب: اعتبر المبلغ موجود لدي؟ استغرب ردّها باعترافها بالمبلغ المفقود. قال لها أهكذا يتصرفُ الناس مع ضيوفهم. إنّها سرقة علنية، وهذا كل ما لدي؟ أظن أنه تصرف غير مقبول. وبدلاً من أن تحافظ على أموال ضيفها وتهتم به تقوم بالتحايل عليه وسرقة كل ما لديه. حاول بحديثه معها معرفة الأسباب التي دفعتها إلى القيام بهذا العمل. هل الحاجة هي ما دفع بها إلى هذا التصرف ولماذا، وأين؟ في بلاد يحلم الكثيرون في الوصول إليها والعمل فيها.

لم يكن لصديقي من بد إلا التزام الصمت والسكوت عن فعلتها وإلا سيكون مصيره في الشارع. مضت أيام وهو يحاول باستمرار يحثّها على تأمين جزء من المبلغ الذي اعترفت بسرقته عله يسعفه على شراء بعض احتياجاته في بلد غريب لا يعرف فيه أحد.

نفد صبره، ولم يستفد شيئاً حيال أي تصرف من قبلها في ردها المبلغ الذي سرقته. حاولت أن تساعده لدى إحدى الجهات التي تقوم بدورها بتقديم معونات للمحتاجين في تلك الولاية التي تقيم فيها.

تقدم بطلب إلى اللجنة المشرفة المعنية بمنح المساعدة والتي تقرر تسليمه لها بعد متابعة استمرت لأكثر من أسبوعين، إلا أنّه بعد الموافقة عليها رفض استلامها لأنها سوف تأخذها منه عنوة. وبعد قضاء نحو شهر في مسكنها قرر العودة إلى بلده تاركاً خلفه كيد تلك المرأة واحتيالها، وما تحيكه من عمليات نصب للشباب العرب الراغبين في السفر إلى تلك البلاد بعد التعرف عليهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمل جاهدة على تسهيل أمورهم بعد مراسلتهم، ودفعهم إلى التوجه إليها بترغيبهم بها، والكذب هو ديدنها الوحيد بهدف تحقيق رغباتها بذريعة مساعدتهم وتسهيل الاجراءات التي تعترض طريقهم، فضلاً عن ادعائها على أنها تحمل اجازة في الصحافة، وأكثر من ذلك، راسمة قبل اسمها، في صفحتها على "فيسبوك" حرف الدال، وعلى أنها صحافية من طراز رفيع، وهي في الواقع تجهل كل ما يتعلق بهذه المهنة!

كثير من صور الخديعة والاحتيال والضحك على ذقون الناس الأبرياء الذين يجهلون ما يجري في تلك البلاد، وكل ما هو مطلوب من الشباب الحذر والحيطة من أمثال هذه الصداقات الزائفة التي لا تحمل سوى الكذب.

ادعاء تلك المرأة على أنها دكتورة في الصحافة، وتسكن في بلاد متحضرة، وتحيك الألاعيب والحيل حيال الناس واقتناصهم، والكذب عليهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بالتعريف عن نفسها على أنها على درجة من العلم، وعلى معرفة بالثقافة.

 إنّ أمثال هذه الأشكال متوافرة بكثرة في مجتمعنا، وعلينا أن نكشف عنها، وعدم التردّد في قطع العلاقة معها، والبعد عن المغريات التي تقدمها، لأنها بالتأكيد تسيء إلى مجتمعنا وإلى الصداقات التي تبنى على الكذب والخداع، وهدفها النيل من فريستها والقضاء عليها، وتجريدها من المال الذي بحوزتها في بلاد غريبة، وهذا كل ما يهمها، وإن تطلب منها ذلك أن تخسر كل شيء لأجل تحقيق هدفها وإن دفعت بضحيتها إلى الموت الزؤام!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.

مدونات أخرى