لماذا ندوّن؟
تثير كتابة المدونات قضيتين، أولاهما ماهية الوعي الجمعي، وثانيتهما الإبداع بوجوهه المختلفة. كتابة النص، أي نص، حتى المدونة، هي عملية تكاملية مع مكوناته بالمعنى السردي والمعرفي والجمالي. هناك ثلاثة أطراف: المدون/ة، النص، المتلقي.
ـ هل الراهن الإبداعي أبلغ أو أكثر ضرورة من حاجة المتلقي؟
ـ هل يختلف التلقي الفردي عن التلقي الجماعي؟
ـ هل المطلوب المراكمة في فضاء الجماليات فقط؟
دلالة كتابة المدونات وموقف المدونين/ات من التدوين:
الجماليات عملية مركبة، لا تستند فقط على الجماليات وظيفياً فقط، بل تقوم على إحراز المعنى من خلال السياق، الواقع الإبداعي ليس فقيراً.
إذن، هل كل مدونة إبداع؟ هل يمكن لكل تدوين أن يستولد قيمة منتظرة؟ هل تكمن قيمة التدوين في المحتوى، أم في الشكل، أم في التوقيت؟ إن التركيز على قصدية محددة قد يقودنا إلى إعادة النظر في دلالة كل تدوين، وبالتالي إلى إعادة النظر في قيمة التدوين ومآلاته وأصالته، خاصة من حيث الفكرة أو الهدف، لكن السؤال الأهم هنا، هل التدوين وحدة منفصلة عن الكاتب/ـة؟
ـ التدوين في حكايات وقضايا السلام هل هو خدمة لتلك الحكايات؟ هل هو هوية اجتماعية، أم هوية فنية خالصة، بحث عن العدالة، سعي لتعميم حكايات السلام؟
إذن، هل كل مدونة إبداع؟ هل يمكن لكل تدوين أن يستولد قيمة منتظرة؟ هل تكمن قيمة التدوين في المحتوى، أم في الشكل، أم في التوقيت؟
ثمة أسئلة تطرح نفسها بقوة. هل يمكن بناء سرديات السلام من العدم؟ أو فقط من الرغبة الإيجابية، أو ضرورة التدخل الاجتماعي. من المخيلة؟
من الضروري التعرّض للنقد النوعي لقضايا السلام وأزمة الثقة بعمليات بناء السلام وتدوين سردياته. يتم تعميم سرديات السلام عبر نقل وتداول سرديات مغفلة أو مغيّبة لبناء السلام، ويساهم ذلك في بناء قاعدة من ممكنات استدامة السلام.
لذلك، ونظراً لضرورة تحقيق المصالحة بين جمع السرديات وتعميمها، يجب صهر الرغبة في التدوين مع الجدوى من ذلك، وعدم الركون إلى الأحكام القطعية والتعويل على الاستجابات الانطباعية وحدها. السؤال الأكثر إلحاحاً، كيف نتعرف على مواقف جمهور المختصين بسيرورة تحقق عمليات بناء السلام؟ أو على تقبّل أو مطاوعة الجمهور العام المنكفئ عن رواية سردياته؟
هل ثمة إمكانية لنشوب معارك ما بين مقدمي الخدمات الاجتماعية أو منظري آليات بناء السلام وما بين الجمهور العام؟ متضررين/ات، مشاركين/ات؟ وما بين مدعي التركيز على ضرورة تقديم سرديات متجانسة وإبداعية فقط؟ الكتابة للنخبة أو بواسطتها وسواها من المفاهيم النخبوية والانعزالية. بعد الكتابة، هل تتحول الكاتب/ـة إلى قارئين حياديين لتدويناتهم؟ هل يمكن التقاط ما غفل عنه الوعي الثقافي الجمعي بكتابة سرديات تخصصية في سرد الحقيقة، في صياغة الواقع المعاش كحكايات على الورق؟
الزمن جماعي، إنه يتمايز ويقاس بأحداث الحياة الجماعية فقط، كل ما يوجد في هذا الزمن هو للجماعة فقط، العمل والاستهلاك كلاهما جماعي، أما الإبداع والكتابة تحديداً فهي فردية، لذلك يبدو الانشغال في القضايا الاجتماعية وبناء السلام إحداها، هو تدخّل اجتماعي وجماعي، ولكن بمبادرة فردية.
ـ ينبغي احترام ومراعاة الحضور والتوظيف الاجتماعي للغة.
التصور عن حكايات السلام هو مقاربة لإنشاء صورة اللغة الجمعية، اختيار الكلمة، النظرة إلى العالم، حياة العوالم الاجتماعية الضيقة. أي تدوين، هو تركيب هجين ما بين اللغة والوعي بفنية أدبية وبتقنية تنوع كلامي وبإدراك للتباينات اللغوية الاجتماعية، وهنا تبرز أهمية خصوصية اللغة في كل زمان ومكان وحسب عوالم المجتمعات فيها.
لذلك يتم التركيز في روايات وسرديات السلام تحديداً على عدد من الأسئلة، يبدو ذلك نوعا من المواجهة المقنّعة للمدونين والمدونات، ويبدو أيضاً تقليلاً قصدياً وغير بريء من مستوى الكتابة كفعل إبداعي بغض النظر عن جنس الكاتب/ـة.
ـ الأسئلة الإشكالية والتي تحمل اتهامات مبطنة للمدونين/ات هي: الحيادية، المصداقية، جلد الذات، فهم السياق، الهدف، دلالة اللغة، الاستمرارية، جدوى التدوين، تماسك السردية، وأخيراً المصلحة والرؤية، وهنا يكمن جوهر الفعل وجوهر المستقبل في سياق إعادة بناء سرديات السلام وتدوينها.