لماذا لا نخرج أحياء من جوف البئر؟

06 فبراير 2022
+ الخط -

في كل مرة نجتمع وتنحبس أنفاسنا ونحن نرقب أحدنا وهو يحاول الخروج من البئر. نتلهّف.. نشجّع.. نبكي.. نصرخ.. نصلي.. ثم يموت الأمل ونعود إلى ما كنا عليه.. اليأس!

خمسة أيام ونحن نخادع أنفسنا بأن ثمة هذه المرة شيئا مختلفا، قد ينجو أحدنا، ربما تغيرت هذه الأرض، ربما توقفت عن القتل، ربما باتت قادرة على أن تهب حياة. ولكن الملعونة اكتشفت أحلامنا سريعاً، وعلمت أننا ما كنا ننتظر نجاة ريان من جوف البئر، بل كنا ننتظر نجاتنا نحن، فقتلته!

كانت البئر بالنسبة لكل منا هي بئره الخاصة، البئر التي ابتلعت أحلامنا وأعمارنا وأهلنا، ترتدي حيناً زياً عسكرياً وحيناً آخر عمامة، وبكل مهارة تغلق فوهتها لتتركنا في القعر "نخمش" الظلام بأظفارنا بحثاً عن خلاص، فإذا بنا "نخمش" وجوه بعضنا.

سبق ريان طفل سوري، ابتلعته بئر أيضاً، وانتظرنا خروجه لنقول هناك أمل ما.. ولكن هيهات. وقبل ذلك، تحلّقنا في بيروت حول ركامها، كانت فرق الإنقاذ تؤكّد أن ثمة نبضا ما تحت الأرض. صلينا.. تضرعنا.. بكينا.. ثم توقف صوت النبض قبل أن نعرف إن كان نبضنا نحن أم نبض بيروت! وقبله بعامين، ابتلعت بئر أخرى شاباً في الجزائر، وطوال تسعة أيام كان ثمة أمل ما بالحياة، ثم انتهى.

عقم من المحيط إلى الخليج، أرض لا تنتج إلا الموت، روتها ملايين دماء الشهداء وملايين صرخات المعتقلين وملايين المظاهرات المطالبة بالحرية، وما زالت عقيمة معنّدة على الحياة، رافضة أي شكل من أشكال بثّ الأمل في قلوب أبنائها. مذكّرة إياهم في كل مناسبة أنها لا تصلح إلا أن تكون قبراً!

تقف على فوهة جرحنا صارخة: أنا أرض اليباب، فإذا أردتم الحياة فيمموا وجوهكم شطر البحر، لم أكن يوماً أرضكم، أنا أرض المرسلين والقادة والجنرالات والديكتاتوريين أصحاب السيادة والفخامة والجلالة والسمو، ففروا بجلودكم. وإذا تذكرتم البئر فاشكروني لأنني ابتلعت أطفالكم، كانوا محظوظين، قبل أن تبتلعهم زنزانة أو يلفظوا أنفاسهم تحت ركام مدارسهم إثر برميل متفجر أو تحت بسطار عسكري يتلذذ بسحق العظام الغضّة.

أنا أرض اليباب فانجوا بأنفسكم، وإياكم أن تعودوا، إياكم أن تحدثوا أولادكم عن البئر التي كنتم فيها، والتي ستبقى تلتهم أرواحكم وأحلامكم أبد الدهر!

دلالات