لماذا جذبتني العلوم بعيداً عن الأدب؟
عبد الحفيظ العمري
الزمان: منتصف ثمانينيات القرن العشرين.
المكان: مدينة تعز اليمنية.
صبيٌّ صغير متسمّر أمام التلفزيون قبل عصر السماوات المفتوحة، إذ كان عصر القنوات الأرضية آنذاك هو المهيمن. كنتُ ذاك الصبي المهووس بمسلسلات الكرتون، وبصراحة ما أزال على الرغم من تقدّم العمر!
لكنّي أرى أنّ مسلسلات هذا العصر منفعلة جداً، وتحرّض على العنف، مسلسلات الكرتون أيامنا كانت مشوّقة. ومن هذه المسلسلات "ولد حراً"؛ مسلسل يتحدث عن إنقاذ الديناصورات، تلك الكائنات العملاقة!
ما زلتُ أتذكر أني سألتُ والدي هذا السؤال: لماذا لا توجد ديناصورات في عصرنا؟
فضحك عليّ كثيراً، ثم قال: لقد انقرضت منذ زمن بعيد.
أعود للتساؤل: أيش معنى انقرضت؟
- انقرضت يعني ماتت، ولم يعد لها وجود!
- طيب ليش؟
يتنحنح الوالد، رحمه الله، ويقول: "لقد ضرب الأرض نيزك من السماء، فعمّ الدخان الأرض، فلم تستطع الديناصورات أن تعيش في ذاك الدخان فانقرضت!".
- طيب، أحنا لماذا لم ننقرض، فما دام هي أكبر حجماً منّا وانقرضت؟
يضحك الوالد ثانية ويقول: أحنا؟ لالالا نحن لم نكن قد جئنا بعد!
بعد أشهر من تلك التساؤلات، وفي عيد ميلادي (كما عوّدني والدي دائماً)، أهداني كتاباً اسمه "أطلس الحيوان" يتحدث عن المملكة الحيوانية.
العلوم، وبالذات الفيزياء، هي من تتحكم بالكون، هكذا تقول حلقات العلم على الأقل
وعلى الرغم من هذه المقدمة عن الديناصور وعالم الحيوان، لم تستهوِني مادة الأحياء، بل ذهبت إلى الفيزياء حبّاً وشغفاً، فلماذا هذا التحوّل؟
الزمان يمرّ، وتأتي أواخر المرحلة الإعدادية (المتوسطة)، هنا تأتي سلسلة (روايات مصرية للجيب) التي أصدرتها المؤسسة العربية الحديثة في عام 1984 لندخل عالم المخابرات مع "أدهم صبري" بطل سلسلة "رجل المستحيل"، لكن توقفي كان مع سلسلة "ملف المستقبل"؛ تلك السلسلة التي من طريقها عرفنا مصطلحات علمية مثل البعد الرابع والانتقال الآني والنظرية النسبية والثقب الأسود والهولوغرام، إلخ. من خلال قراءاتي هذه، نما لديّ الفكر العلمي، إن صح التعبير، ووافق ذلك أن بدأ تلفزيون صنعاء ببثّ حلقات برنامج "العلم والإيمان" للدكتور مصطفى محمود رحمه الله، الذي عرض المعلومات العلمية بالصوت والصورة في ذلك الزمان.
وهكذا اتضحت الصورة أمامي تماماً، فالعلوم، وبالذات الفيزياء، هي التي تتحكم بالكون، هكذا تقول حلقات العلم على الأقل!
لذا، في مرحلة الثانوية، كان توجهي علمياً بتوجيه من تلك المسبّبات التي دفعتني إلى العلوم، رغم ميلي إلى الأدب، وهذا أمر معتاد في مجتمع شرقي كاليمن! وهكذا دخلت محراب العلوم، وما زلتُ متبتلاً فيه حتى اليوم!