لماذا تُرك اللاجئ وحيداً على باب "أونروا"؟
يمتنع الشاعر الفلسطيني محمود درويش، في عنوان ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيداً"، عن وضع علامة استفهام، ربما لأنه يعرف الجواب، لا سيما بعدما يتبع الشطر الأول في القصيدة بقوله "لكي يؤنس البيت يا ولدي، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها".
يروي درويش حكاية الفرار من فلسطين إبان النكبة عام 1948. ومنذ ما قبل ذلك، والفلسطيني لديه أسئلة كثيرة، منها ما له إجابات والكثير منها يبقى معلقاً كأحجيات شخصية أو عامة.
من هذه الأسئلة المبهمة ما يطرحه لاجئ فلسطيني في لبنان، يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، واسمه أنور الموسى حول أسباب عدم سماح وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) له بخوض امتحان التوظيف.
حالياً، يعتصم الموسى وحيداً أمام مقر الوكالة في بيروت، وهو مستمر في إضرابه عن الطعام لليوم السابع على التوالي. وحيداً كحصان درويش، مع اختلاف الزمن، لكن الهم يتواصل، وسكان ذاك المبنى الدولي لا يحركون ساكناً أمام حالة لاجئ رفع صوته أمام ما يعتبره جوراً وظلماً وقع عليه.
يعتصم الموسى وحيداً أمام مقر الوكالة في بيروت وهو مستمر في إضرابه عن الطعام لليوم السابع على التوالي وحيداً كحصان درويش
في بداية قصيدة درويش، يسأل الولد: "إلى أَين تأخُذُني يا أَبي؟".. ويأخذني السؤال إلى المضرب عن الطعام على أسوار بوابة "أونروا" رافعاً يافطة كتب عليها: لماذا تحرمونني من خوض امتحان توظيف المعلمين؟ أنتقل إلى سطر آخر في قصيدة درويش حيث يقول الأب لابنِهِ: "لا تَخَفْ، التصِقْ بالتراب لتنجو!" التعجب في نهاية الجملة يجيب عن اللاجئ الفلسطيني، فنحن منذ زمن التصقنا بالتراب، ولكن لم ننجُ.
يفترش اللاجئ الأرض أمام المدخل الرئيسي لـ"أونروا" بمعدته الخاوية وشهاداته وكتبه، ويبدو أنها بنظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين خاوية أيضاً، ويبحث عن سبب استبعاده. يفتش عن المنطق بجواب جاءه أنه بسبب انتقاده معايير التوظيف!. تعجب يقود إلى تعجب، متى أصبحت الوكالة الأممية امتداداً لنظام ديكتاتوري يحارب حرية الرأي والتعبير؟ ومتى أصبحت احتلالاً للاجئين في الشتات تقتلهم ظلماً وفساداً وتقتل حريتهم؟
عجب يقود إلى تعجب، متى أصبحت الوكالة الأممية امتداداً لنظام ديكتاتوري يحارب حرية الرأي والتعبير؟
يقول درويش: "تفتحُ الأبديَّةُ أَبوابها". وهنا، أمام مبنى لـ"أونروا" في بيروت، تفتح سيارة الإسعاف التابع لـ"الصليب الأحمر" بابها لنقل الجسد المرهق والمتعب بعدما أهلكه الجوع جسدياً والتفكير نفسياً. تنطلق سيارة الإسعاف من دون صفارات خوفاً من إزعاج قاطني المبنى الأزرق.
امتحان التوظيف بعد ساعات، والمضرب عن الطعام ممنوع من دخوله على الرغم من المناشدات الكثيرة والتعاطف الكبير معه من اللاجئين ومنظمات حقوقية.
ربما هي لعنة أغسطس/آب، فيه رحل محمود درويش، وفيه تركت ساحاتنا وحيدة، وهناك أيضاً تُرك الدكتور أنور الموسى على أمل ألا يبقى اللاجئ وحيداً.