لبنان والوساطة القطرية
في وقتٍ سريعٍ جدًا، صعدت الدوحة إلى منصّة الوساطة الدولية وأصبحت وجهةً موثوقة وفاعلة دون منازع، بعد أن حقّقت السياسة الخارجية القطرية مرتبةً مرموقة بين الدول بفضل سياستها المتوازنة وعلاقاتها المتميّزة مع الكثير من دول العالم في سعيها لتعزيز الأمن والسلام الإقليمي والدولي، خاصة بعد أن نجحت في التوّسط في أكثر من أزمة، محوّلةً النزاعات والخلافات إلى فرصٍ ممكنة في خدمة الإنسانية والعالم.
تعود جذور العلاقات اللبنانية القطرية إلى التاريخ الأصيل الذي جمع بين بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، وكان البلدان أحد أقطابه، حيث بدأ التمثيل الدبلوماسي بينهما بتبادل السفراء عام 1972.
منذ وقت طويل، استضافت قطر الجالية اللبنانية التي ساهمت في التقدّم والتطوّر في البلاد في مجالات متعدّدة، خاصة في مجال العمران، ما جعل الحضور اللبناني لافتًا ومميّزًا. كما أكرم أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لبنان بشكل خاص بالعناية والاهتمام، وهو ما تؤكده العديد من المبادرات الأخوية. ويفخر اللبنانيون بحضور الأمير القمّة العربية الاقتصادية التي عُقدت في بيروت عام 2019، والتي ساهم شخصيا في تعزيزها برغم غياب الزعماء العرب الآخرين.
وبناءً على مبدأ أنّ قطر أصبح لها حضور في أيّ مناقشة تتعلّق بالقضية اللبنانية، لعبت الدوحة دورًا مهماً في وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، كما ساهمت بشكل كبير في إعادة إعمار ما دمرته تلك الحرب. وبعد ذلك، رعت الدوحة مؤتمر الحوار اللبناني بعد الصدامات التي شهدتها بيروت عام 2008 بين فريقي 8 و14 مارس/ آذار. وقد أفضى هذا الاتفاق إلى التوافق على رئيس للبلاد، وهو ما أُطلق عليه "اتفاق الدوحة" الذي أدّى إلى انتخاب ميشال سليمان قائد الجيش حينذاك، رئيسًا للجمهورية.
بعد انتهاء ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، لفت الانتباه الشكر الذي وجهه الرئيس السابق، ميشال عون، لدولة قطر، حيث أكد هذا الشكر الرسمي دور قطر في هذا الملف الذي سيفتح الباب للتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط. تمّ تداول معلومات في الخفاء حول مساهمة الدوحة في التوصل لاتفاق نهائي، وبدا واضحًا أنّ ذلك يدعم وساطة الأميركيين التي تمثلت في حوار المبعوث الأميركي عاموس هوكتشاين.
الدعم القطري يتمركز حول المؤسسات التي يعتمد عليها جميع اللبنانيين، بما في ذلك الجيش اللبناني
من جانب آخر، أعرب مسؤولون لبنانيون، بمن فيهم نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، عن رغبتهم في أن يكون لدولة قطر دور أساسي في الاستثمار في حقول النفط اللبنانية، سواء في عمليات الاستكشاف أو في مرحلة الاستخراج. وأعلنت وزارة الطاقة اللبنانية عن مفاوضاتٍ لبنانية قطرية بشأن حصول الدوحة على 30% في شركة مؤسسة استكشاف النفط والغاز في القطاع التاسع. كما صرّح مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي عاد حديثًا من زيارته للدوحة، بأنّه يقدّر ويشكر دعم ومساعدة قطر، أميرًا وحكومةً وشعبًا.
وصرح العميد الركن المتقاعد الدكتور، حسن جوني، قائد كلية القيادة والأركان ونائب رئيس أركان العمليات في الجيش اللبناني سابقاً، في تصريح خاص، بأنّ الهبة القطرية الكريمة للجيش اللبناني سبقت كلّ الهبات الخارجية الأخرى، بما في ذلك الهبة المالية التي دعمت رواتب العسكريين. وكان لها تأثير معنوي كبير، إذ جاءت في ظلّ الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية الصعبة في لبنان. ومن جهة أخرى، ساهم دعم الجيش بالوقود في الحفاظ على استمرار تنفيذ المهمات العسكرية، حيث يُعتبر توافر المحروقات أمرًا حيويًا جدًا.
وحاليًا، تبذل الدوحة جهودًا مكثفة من خلال مبعوثها أبو فهد جاسم آل ثاني، والذي يحظى بتقدير كبير في بيروت، وذلك بالتعاون ضمن الخماسية المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية وقطر، لاختيار رئيس جديد للبنان. تتسع مبادرات الدوحة في نطاقها لتصبح واحدة من وجهات الوساطة الدولية، وقد تكوّنت هذه الخبرة بعد النجاحات المتتالية التي حققتها قطر، والذي تجلّى مؤخرًا في وساطتها بين الولايات المتحدة الأميركية وكاراكاس لتبادل السجناء وتحقيق هدنة إنسانية بين المقاومة الفلسطينية في غزّة وإسرائيل. ولذا ترغب الأطراف المختلفة في الاستفادة من علاقات قطر المتوازنة مع مختلف الأطراف، والتي تتمتع بمصداقية عالية.
أيضًا، تتميز المبادرات القطرية تجاه لبنان بأنها تأخذ في الاعتبار المصلحة المشتركة بين البلدين وتعكس التقدير المتبادل وتعزّز العلاقة القوية بين الدوحة وبيروت. كما أنّ الدعم القطري يتمركز حول المؤسسات التي يعتمد عليها جميع اللبنانيين، بما في ذلك الجيش اللبناني.
مصدر مرموق في وزارة الخارجية اللبنانية وصف العلاقات بين لبنان وقطر بأنّها متميزة. وأشار إلى أنّ قطر هي دولة قريبة من جميع اللبنانيين، فقد فتحت أبوابها بكلّ ترحاب للجالية اللبنانية، وقدّمت لها العديد من المساعدات في جميع المناسبات. كما أنّها تدعم التوافق اللبناني اللبناني، وبناءً على ذلك تقدّم مبادراتها الرائدة في خدمة العمل العربي المشترك.