لا أوديسة لليمني
يتبادر كثيراً إلى ذهني أننا، نحن اليمنيين، نعيش في مكان قصي من هذا العالم، كما لو أن هناك جزيرة نائية أو منعطفاً خفياً اخترنا العيش فيه منذ الأزل.
يأتي هذا الشعور من عدم اهتمام العالم بما يحدث في اليمن، وبما يعانيه اليمني في السنوات الأخيرة من حرب وجوع وإهمال.
يقربنا أحياناً إلى الاهتمام العالمي الممرُّ المائي "باب المندب" والذي لولاه ربما تركنا العالم نعاني وحيدين كأسماك في المحيط، تائهين معذبين وفاقدين للأمل، ومعرضين للموت بالحرب أو المجاعة.
يدور في العالم الحديث عن مجاعة وشيكة في اليمن قد يتعرض لها الملايين من الناس، تقول المنظمات الإنسانية عنها إنها أكبر مجاعة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية أو على الأقل في الوقت الحالي، لكننا في اليمن لا نستطيع أن نعيش تلك المخاوف على أنها حقيقة ماثلة للعيان، أو حقائق قد نعيشها في الوقت القريب.
السبب في ذلك أنه من المستحيل أن ينظر العالم الذي قال إنه أصبح قرية كونية واحدة لهذه المخاطر الوشيكة بهذه اللامبالاة، نقول في دواخلنا إنه حديث قد يكون لمجرد الاستهلاك العالمي، أو للضغط على أطراف الحرب، للقبول بحلول جزئية، لكننا وفي بعض القرى أكلنا، نحن اليمنيين، قبل سنوات بدافع من الجوع وانعدام الغذاء الأشجار التي لا تؤكل والتي تنمو وحيدة في العراء. كان ذلك في القرى الواقعة في محافظة حجة شمال اليمن.
أعود لألوم نفسي وشعبي بأننا لم نستطع شرح أزمتنا للعالم، كيف أغلقت الحياة بابها في وجوهنا، كيف نعاني التشرد والضياع والألم والإخفاق والإحباط والشعور بالغربة والانقطاع عن الأهل دونما أوديسة تخلد هذه الآلام، كما فعل اليونانيون القدامى.
يدور في العالم الحديث عن مجاعة وشيكة في اليمن قد يتعرض لها الملايين من الناس، تقول المنظمات الإنسانية عنها إنها أكبر مجاعة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية أو على الأقل في الوقت الحالي.
ليس لدينا أدب خالد حتى الآن يقول للعالم ها هي حياتنا، انظروا كيف نموت من الحرب وفي الطرق وبالجوع والمرض والأوبئة، وبأمراض أعلن العالم خلوه منها قبل عقود طويلة، وبالموت في البحار ونحن نازحون ومهاجرون إلى الدول الأوروبية، كل يمني يعبر البحر أملاً في الوصول إلى أوروبا يفكر في طريقه بالموت، وأن المنحة التي وهبها له الله وهي الحياة قد يفقدها غرقاً قبل الوصول إلى أوروبا.
نفقد في السواحل اليونانية أصدقاء لنا قرروا الهجرة، وفقدنا أناساً في بحر مدينة سبتة على الحدود الإسبانية، وفقدنا مؤخراً قبل أيام الدكتور ضيف الله الذيفاني في المياه ذاتها، وكان قد ناقش قبل أشهر رسالته للدكتوراه في المغرب العربي، وكانت تقوده الآمال للوصول إلى أوروبا، وتُبعده المخاوف من العودة إلى اليمن، ففقد حياته التي كان يبحث لها عن مكان للعيش الكريم، وإذا حُمَّ القضاء على امرئ فليس له برٌّ يقيه ولا بحر، كما قالها أبو فراس الحمداني.
هل يكفي هذا لتكون لنا أوديسة تخلد هذا الضياع والحنين إلى الوطن الذي لا يمكن العودة إليه.
لا يهمنا إن كتبنا أعمالاً خالدة أن يُسرع العالم لإنقاذنا، فلن يفعل بالتأكيد، يكفينا أن تعرف الأجيال القادمة كيف عشنا هذه الآلام في زمن عاشت فيه معظم شعوب الدنيا وكأنها في ملهى ليلي، لفرط الحياة الإنسانية المنتظمة والباذخة.