كيف يتفاهم الأعمى مع الأبكم؟

25 يوليو 2018
+ الخط -
كان ثمة رجل أعمى يعيش مع زوجته المبصرة وأبنائه وبناته في جو من الألفة والاحترام، وللعلم فإن هذا الرجل يحظى باحترام كل أهالي البلدة، لما يمتلكه ذكاء وسرعة بديهة، ومقدرة استثنائية على حفظ الكثير من الحكايات الإنسانية الطريفة، وأحياناً يخترع قصصاً وينسبها إلى شخصيات تاريخية فكاهية مثل جحا، فيضحك جلاسُه، وبعد أن ينتهوا من الضحك يقول لهم:

- إنني أنظر في وجوهكم فأرى فيها شكاً وإيحاء بأنكم لا تصدقون وجود هذه القصة. طيب، أنا الآن أتحداكم، افتحوا المجلد الخامس من كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، الصفحة 82 السطر التاسع، وسوف تجدون هذه القصة، مثلما رويتها لكم.

وإذ يلاحظ أنهم اهتموا في الأمور، يضحك ويقول:
- ضحكت عليكم وأكلت بعقلكم حلاوة.
يسأله أحدهم: كيف؟
فيقول: أخبرتكم بأنني رأيت في وجوهكم شكاً وإيحاء.. وأنا أعمى، فكيف نظرت وكيف رأيت؟
فيضحكون من جديد.

وفي ذات مرة روى لهم حكاية واقعية عن رجل أعمى، مثله، متزوج، ولكن الله لم يرزقه بولد أو بنت، وكان يقول لزوجته إن سعادته تبلغ الأوج حينما يأتي أهل البلدة لزيارتهما، فمنها يتسليان، ومنها يعرفان ما يجري في البلد وفي الدنيا.. وكانت زوجته تدعو الناس لزيارتهم، وتوضح لهم أن الزيارة سوف تسعد زوجَها.

وفي يوم من الأيام أتت لزيارتهما شقيقةُ الزوجة، ومعها بعلُها الأخرس الأصم. وبعد انتهاء السهرة طلب صاحبُنا الأعمى من زوجته، بكل وضوح، أن تُبْلِغ أختَها بألا تصطحب بعلَها معها فيما لو حضرت لزيارتهما في قابل الأيام.

زعلت الزوجة وقالت:
- كل يوم يأتي لزيارتنا أناس من جميع الأشكال والألوان والأصناف، ولم تبدِ استياء إلا من بيت أختي؟

طبطب الرجل على كتف امرأته وقال لها:
- يا حبيبتي، يا عيني، يا زوجتي العزيزة، إن الذي حصل هو أن زوج أختك كان يحدثني طوال السهرة بلغة الإشارات، وأنا أعمى لا أرى إشاراته، وأنا أحدثه بالكلام العادي، وهو أخرس أصمّ لا يسمع كلامي، فبالله عليكِ ما الجدوى من مثل هذا اللقاء؟!
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...