قائمة المتصهينين أم أعداء إيران؟
قبل عدّة أيام، وبينما كنت أتجوّل في منصة إكس، لفتتني إحدى الصور التي ملأت المنصّة تحت عنوان "قائمة المتصهينين العرب" و"شاهد وتعرّف على أبرز المتصهينين العرب"، وإلى آخره. وتحتوي هذه الصور على قوائم تضم أسماء العشرات من المدوّنين والناشطين المرفقة مع عناوينهم.
بداية، لم أُعر أهمية لهذه القوائم حتى وجدتها تتصدّر المنصّة ويتداولها الناشطون، وكأنّها من المُسَلّمات، ومن ثمّ تجري السجالات حول الأسماء الواردة فيها. وإلى الآن لم أعرف مصدرها أو مصنّفها، ولست مهتمًا بمعرفة منبعها.
لكن ما شدّ انتباهي أكثر، سرعة تناقلها، فضلًا عن قائمة الأسماء الواردة فيها، إضافة إلى أنّّ مصنّفها لم يعتمد ميزان الولاء لإسرائيل أو تأييد حملتها العسكرية على غزّة، بل اعتمد مبدأ العداء لمحور إيران أو موالاته. إذ أصبحت المعادلة اليوم، إمّا أن تكون مع إسرائيل وإما مع إيران، وليس من حقك أن يكون لك موقف خارج هذا الإطار.
ويكفي أن تؤيد إيران لتكون ضمن قائمة الشرف وتنفي عن نفسك تهمة التصهين، وبشكل لا شعوري ستجد نفسك محبًّا لجميع أذرعها، إذ قلما تجد شخصًا مؤيداً لإيران ومنتقداً لحزب الله أو الحوثي. ولو ألقينا نظرة سريعة على "قائمة العار" (كما يسميها البعض) لتبيّن لنا هذا، فهي تحتوي على أسماء نشطاء، سوريين وعرب، ورغم دعمهم وتأييدهم لصمود أهل غزّة، لم يشفع لهم هذا، إذ أصبحوا من "صهاينة العرب" طالما أنّهم يناصبون إيران العداء، وقد شارك المتهمون بالصهينة هذه القائمة على صفحاتهم بسخرية واستهزاء.
أصبحت المعادلة اليوم، إمّا أن تكون مع إسرائيل أو إيران، وليس من حقك أن يكون لك موقف خارج هذا الإطار
هذا المعيار بدأنا نلحظه بشكل جلي وواضح منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل لدى شريحة من الناس، بعضهم من المغرّدين الفلسطينيين أو ممن يحسبون أنفسهم أنهم منافحون عن القضية، ممن لم يزل يؤمن بجدوى الشعارات الرنانة، حتى وإن لم تُقترن بالأفعال، وقد يغمض عينيه أو يصمّ أذنيه عن واقع خذلان محور المقاومة وتنصله من استراتيجية "وحدة الساحات"، وربما خيانته للمقاومة الفلسطينية ولدماء الشهداء، نهاراً جهاراً.
وربّما لو كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مكان الحالي جو بايدن، لانتظرنا أن يفضح سبب إفراج أميركا عن المليارات العشرة المفرج عنها لصالح إيران، وبأي ثمن؟ خصوصاً أنّ ثمّة حديثاً (والبعض يتحدث عن صفقة) عن انسحاب حزب الله من جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني لإنشاء منطقة آمنة جنوبيّ لبنان، وهذا لا بدّ له من ثمن، فلا شيء بالمجان إلا دماء المساكين.
وما يثير الاستغراب اليوم هو الآتي: كيف تستطيع إيران مواصلة احتكار القضية الفلسطينية بعد كلّ ما حدث خلال العقدين الماضيين وانجلاء مشروعها الحقيقي، وقد أثبت الواقع أنّ إيران لا ترى عدواً سوى الدول العربية، بل والأغرب كيف لا تزال شريحة لا بأس بها تصدّق الشعارات الجوفاء التي لم يتحقّق شيء منها، منذ أكثر من أربعة عقود؟ أهي حالة الخذلان التي نعيشها حقاً، وتجعلنا نبحث عن أيّ سراب نتعلّق به، أم شي آخر؟