نظام الأسد.. بين الضغط والرهان على التطبيع
في خضمّ الأزمة السورية المُستمرة منذ أكثر من عقد، تُثير سياسة الولايات المتحدة تجاه نظام الأسد حيرة الكثيرين، فبينما تُقرّ قوانين تُعزّز الضغوط على النظام، تبقى واشنطن على مسافة من إسقاطه.
يسعى قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، الذي أقرّه الكونغرس الأميركي مؤخرًا، إلى إضعاف النظام دون إسقاطه، ويُضاف هذا القانون إلى قانوني قيصر و"الكبتاغون"، ليُكمل حصار النظام السوري، اقتصاديًا ودبلوماسيًا.
ومن يتابع أحداث المنطقة يُلاحظ تزامن هذا القانون مع محاولات بعض دول المنطقة إنقاذ الأسد والاعتراف به مجدّدًا، وفتح تلك الدول سفاراتها في دمشق؛ ولكن السؤال الأهم هنا: ما هي تداعيات مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد إذا أصبح قانونًا ملزمًا بعد موافقة الإدارة الأميركية؟
وكيلا ننساق وراء التفاؤل الزائف، فإنّ آراء الخبراء متفاوتة حول هذا القانون؛ لكن الاتفاق العام أنّه سيحاصر الأسد أكثر وأكثر، وسيزيد من عزلته في الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول التعايش معه كحقيقة مفروضة، ونسيان ما اقترفه هذا النظام من جرائم بحق شعبه وفتح صفحة جديدة معه.
وهنا يمكن القول، لا مبالغة في أنّ هذا القانون هو ثالثة الأثافي على بشار الأسد، والأقسى عليه ضمن مجموعة القوانين السابقة، الأمر الذي يمكن اعتباره إهانة جديدة للأسد الذي يحاول بشتى الطرق أن يُعيد تأسيس نفسه، ويُستقبل من قبل قادة وملوك بعض الدول، هو المهووس بالبروتوكولات. وهذا ما يلاحظه أي شخص متابع للإعلام الرسمي السوري، ويتجلى ذلك من خلال تبجيل هذا الإعلام أيّة شخصية، أجنبية أو عربية، تزور سورية.
سيكون قانون مناهضة التطبيع مع الأسد كالحبل المشدود على عنق أيّ دولة تحاول إقامة علاقات أو تطبيع علني مع النظام السوري
قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، مهما كانت نتائجه والالتزام الأميركي بتنفيذه، سيكون كالحبل المشدود على عنق أيّة دولة تحاول إقامة علاقات، أو تطبيع علني مع النظام السوري، وسيشكل عائقًا أمام الدول التي تهافتت خلال السنوات الأخيرة على مصالحة النظام، حتى ولو كانت تريد من وراء ذلك حل مشكلة اللاجئين السوريين الذين هم في الأصل فارون من ظلم هذا النظام، فكيف ستعيدهم والمشكلة الأساسية ما زالت قائمة؟
لكن من جهة أخرى، إنّ القوانين التي تستهدف النظام السوري مهما كثرت وتنوّعت، تبقى في نهاية المطاف رهينة الواقع، وما يحدث من تطوّرات على الأرض. لذا على الشعب السوري أن يدرك أنّ التغيير بيده، وأنّه لا يمكن لأيّة قوة خارجية أن تحقّق التغيير المرجو نيابة عنه. وهذا لا يكون دون إنشاء سلطة حقيقية على الأرض، تتسم بالنزاهة وتتخلّص من الاستبداد والتبعية لأيّة دولة، وأن تضع تلك السلطة مصلحة الشعب السوري نصب عينيها، وأن تحظى المنطقة التي تديرها بقضاء عادل وجيش متماسك، وأن تتخلص من ظاهرة المليشيات والجماعات المسلحة، وأن يكون السلاح محصورًا بيدها فقط، إضافة إلى توسيع مناطق سيطرتها لتشمل مساحة أكبر.
حينها فقط، نستطيع بكلّ ثقة أن نحصل على اعتراف دولي بهذه السلطة الجديدة، وأن نطالب المجتمع الدولي بتطبيق القرار 2254، ومن دون تحقيق هذه الشروط سنمدّد عمر المعاناة، ولن نحصل على شيء.