غزة: حين يصبح الألم صموداً والركام مجداً

17 نوفمبر 2024
+ الخط -

غزة مدينة الوجع والصمود:

الحرب على غزة ليست مجرد صراع عابر، بل هي مأساة ممتدة، يتردد صداها في كل شبرٍ من أرضها، وفي كل نبضةٍ من قلوب أهلها؛ إنها حكاية مدينة تقف وحيدة في مواجهة الموت، وشعب يُسطِّر أعظم معاني الكرامة في زمنٍ تكاد الكرامة أن تُنسى فيه.

بين سماءٍ تمطر نارًا، وأرضٍ تُزهر بالجراح، تتجدد فصول المعاناة، لتكتب غزة فصلًا جديدًا من صمودٍ لا ينكسر.

سماءٌ تسرق الأمان:

في غزة، السماء ليست فسحةً للأمل أو نافذةً للحلم، بل هي سقفٌ من الرعب، يتّشح بالدخان وتُصمّ أذنه بزئير الطائرات. هناك، لا يتأمل الأطفال النجوم، بل يحصون القنابل؛ الليل الذي يفترض أن يكون ملاذًا للراحة، يتحول إلى كابوسٍ دائم، تتخلله انفجارات تُضيء الظلام بنيرانها، وتُظلم القلوب بخوفها؛ كل لحظةٍ تمر تحت هذا الجحيم تُنجب مأساةً جديدة، وكل قذيفة تسقط تُطفئ نور حياةٍ كان يضيء بين الأنقاض.

طفولة تُختصر بالدموع:

في غزة، الطفولة لا تعرف البراءة، بل تعرف الخوف والجوع والانتظار؛ أطفالها يكبرون قبل أوانهم، يشيخون وهم في أعمار الزهور؛ ترى الطفل يبحث بين الركام عن لعبته المكسورة، أو يحدِّق في السماء وكأنها عدوٌ يتربص به؛ آخر يسأل ببراءةٍ موجعة: "هل سنموت الليلة؟". طفولةٌ أُخذت منها الألوان، واستُبدلت بمشاهد الدم والدمار، لكنها رغم ذلك تتشبث بالحياة كزهرةٍ تنمو بين الصخور.

نساءٌ يحملن الأوطان على أكتافهن:

في وسط هذا الركام، تقف نساء غزة كالجدران الشامخة، يحيين بكرامةٍ وسط الموت، ويزرعن الأمل في أرضٍ تلفظ أنفاسها الأخيرة. ترى الأم تواسي أطفالها، تخبز لهم خبزًا من رماد القصف، وتحكي لهم حكاياتٍ عن أيامٍ لم يعرفوها، وكأنها تُنقذ طفولتهم من أظفار الحرب؛ النساء في غزة لا يبكين أمام الأعداء، بل يبكين في صمت الليل، عندما تتوقف القذائف للحظات، ليُسمع أنينهن الممتزج بالدعاء.

غزة ليست مجرد بقعةٍ على الخريطة، إنها جرحٌ نازف في قلب الأمة، وصوتٌ صارخ في برية العالم؛ إنها تذكيرٌ دائمٌ بأن الحق لا يضيع

أرضٌ تئن تحت الحصار:

الأرض في غزة ليست كأي أرض، فهي تعرف معاناة ساكنيها وتشاطرهم الألم؛ البيوت التي كانت يومًا مأوى تتحول إلى قبور، والشوارع التي كانت مليئة بالحياة تصير مسرحًا للموت؛ المستشفيات تغصّ بالجراح، والأدوية تُستهلك قبل أن تصل؛ حتى الماء يصبح حلمًا، والكهرباء أملًا بعيد المنال، إنها حياةٌ تُختصر في كلمة واحدة "الصبر".

شيوخٌ يشهدون على الخراب:

في غزة، الشيوخ لا يموتون من التعب، بل من الذكرى؛ يجلسون بجانب ما تبقى من بيوتهم، يتأملون الركام وكأنه ألبوم صورٍ مفتوح؛ كل حجرٍ يحكي قصة، وكل ركنٍ يُعيدهم إلى زمنٍ مضى؛ تراهم يبكون بصمت، ليس خوفًا من الموت، بل حزنًا على وطنٍ أُثقل بالجراح، وعلى أحلامٍ دُفنت تحت الأنقاض.

غزة درسٌ في الإنسانية:

غزة ليست مجرد مدينةٍ تُقصف أو أرضٍ تُحاصر، إنها رمزٌ للصمود الإنساني؛ هناك يُظهر الإنسان أقصى ما يمكن أن يبلغه من العزة في وجه أقصى ما يمكن أن يلقاه من الظلم؛ في غزة يتعلم العالم أن الكرامة لا تُباع، وأن الأمل لا يموت، وأن الإيمان بحب الأرض يمكنه أن يُنبت حياةً حتى في أكثر الأراضي قحطًا.

الجرح الذي لن يندمل:

غزة ليست مجرد بقعةٍ على الخريطة، إنها جرحٌ نازف في قلب الأمة، وصوتٌ صارخ في برية العالم؛ إنها تذكيرٌ دائمٌ بأن الحق لا يضيع، وأن الظلم مهما طال لا ينتصر؛ غزة اليوم تُسطِّر بدمائها قصةً للعالم، قصة شعبٍ قرر أن يعيش رغم الموت، وأن يبقى رغم كل محاولات الإبادة.

يا غزة، يا شوكةً في حلق الطغاة، ويا أملًا في ظلام الأمة، سيأتي اليوم الذي تُرفع فيه رايتك عالية، ويُكتب فيه اسمك بحروفٍ من نور؛ وحتى ذلك الحين، ستبقين أنتِ الصمود الذي لا يُقهر، والحياة التي لا تُهزم، والكرامة التي تُلهم العالم بأسره.