عن رواية "عائد إلى حيفا"
يُعَد غسّان كنفاني أحد الكتاب الذين تركوا بصمة واضحة في الأدب العربي المعاصر، وبمجرد ذكر اسمه يترآى لك حجم النضال الذي بذله من أجل فلسطين، ففي روايته "عائد إلى حيفا"، وهي واحدة من أعمال عديدة تحدث فيها كنفاني بشأن القضية الفلسطينية وما ينبغي فعله إزاء هذه الأزمة، يتناول مفهوم العودة إلى الوطن بفكر مغاير ووجهة نظر مختلفة، فالوطن ليس مجرد ذكرى ماضية، وإنما قضية نضال حالية ومجموعة رؤى مستقبلية.
بوصوله إلى حيفا، أدرك سعيد، أحد شخوص الرواية، أن "الإنسان قضّية".. وأن أمر وصوله إلى حيفا كان مجرد تصّور خاطئ، إذ لا يزال بعيداً تمام البعد عن حيفا، فحيفا المحتلة الماثلة أمامه لا تشبه مدينته التي يعرفها في شيء سوى الاسم.
على الرغم من كون حيفا هي حيفا، لم تتغير كثيراً.. ذات المباني وذات الطُرق والأرصفة، حتى أنه وجد منزله بذات الهيئة، مع بعض التغيرات الطفيفة، لكن العلة كانت في طريقة عودته إليها، فالعودة إلى الوطن تتطلب أكثر من جهد المسير.. العودة لحيفا لن تتم بمجرد الرجوع إلى الماضي واجترار الذكريات، بل بالكفاح وحمل السلاح.
يقول سعيد لزوجته صفية: "كنت أتسأل فقط، أفتش عن فلسطين الحقيقية، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ريشة طاووس، أكثر من ولد".
وندم سعيد على منعه لابنه خالد من الانضمام إلى رجال المقاومة، وتمنى أن تعود به عجلات الزمن للخلف كي يسمح له بالالتحاق بهم حتى يساعد في استرداد فلسطين، حينها سيكون باستطاعة سعيد تحقيق حلمه والعودة لحيفا فعليّاً.
تصوير كنفاني لرسالته النضالية كان واضحا.. ففي قصة "فارس اللبدة"، القصة التي قصها سعيد لزوجته صفية، حيث يعود فارس إلى وطنه بعد طول غياب، ويهم بأخذ صورة أخيه الشهيد "بدر" المعلقة على الحائط ليعود بها إلى رام الله.. وبعد اجتيازه للقدس، وعلى مشارف رام الله، انتابه إحساس مفاجئ وراوده خاطر غريب بشأن الصورة المتكئة بجانبه على المقعد، صورة بدر بابتسامته الشبابية. وأن هذه الصورة لن تُعيد له الوطن الذي سُلب منه، فما كان منه إلا أن أعاد الصورة إلى الحائط الذي تنتمي إليه بحيفا، وذهب فارس ليُعيد فلسطين بالطريقة التي تُجدِي.. ذهب لحمْل السلاح.
وتأكيد كنفاني على فحوى رسالته تلك، جاء بكل وضوح على لسان سعيد حينما قال: "لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط.. أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل".
والمتتبع لسيرة كنفاني يعلم أن أعماله الأدبية لا تخلو من الحث على العمل الفدائي وترسيخ مفهوم المقاومة، فبحسب رأي غسّان، ما من سبيل لاسترداد فلسطين بطرق أخرى؛ النضال هو الطريقة الوحيدة المجدية للدفاع عن أرض فلسطين..
فلا غرابة أن يتم استهدافه من قبل الموساد الصهيوني ومن ثم اغتياله لاحقاً.. فيما ظلت أعماله وأفكاره النضالية، خالدة تنبض بالحياة.