عن تسويات أهالي درعا مع النظام

22 يونيو 2023
+ الخط -

يجري النظام السوري مجموعة من التسويات المتلاحقة، والتي ما زالت مستمرة في منطقة درعا الجنوبية. وتمّ حتّى الآن إنجاز أربع تسويات، وذلك منذ أوّل تسوية مع الأهالي برعاية روسية في عام 2018.

وفي الأيام الأخيرة من العام الحالي، تهافتت أعداد من الشباب إليها بهدف تسوية أوضاعهم والخروج من القمقم اللعين الذي يطاردهم في كل مكان، ووصلت أعدادهم إلى ما يزيد عن 15 ألفاً ونيّف، وأغلب هؤلاء الشباب الذين تقدموا لتسوية أوضاعهم من المطلوبين لتأدية خدمة العلم الإلزامية والاحتياطية، والغالبية منهم من الفارّين والمتخلّفين عنها أصلاً، والبعض الآخر منهم مطلوب للأفرع الأمنية التي تلاحقهم، فضلاً عن أن هناك أعدادا من الطلاب الجامعيين الملزمين بالدوام في الجامعات بصورة دائمة، والسبب هو أنهم مشمولون بالتجنيد الإلزامي، وهذا ما دفع كثيرا منهم إلى التوقف عن الدراسة، والمكوث في البيت تخوّفاً من الملاحقة والإمساك بهم، ويعني سوقهم إلى الخدمة العسكرية التي صار يتهرّب من الالتحاق بها الشباب، أياً كان مستواهم التعليمي، والمراحل الدراسية التي وصلوا إليها، ما اضطر أغلبهم إلى السفر والهجرة إلى خارج سورية على الرغم من الوضع المزري الذي يعيشه الأهالي هناك، وعدم توافر الإمكانات المادية التي تساعدهم في إرسال أبنائهم إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهو المنفذ الوحيد الذي يمكّنهم من أن يعيشوا حياة آمنة بعيداً عن نظام مجرم، وهذا ما يحلمون به.

أضف إلى ما يحيط الأهالي من رغبة في حال تجاوز كثير من الصعاب، فإن الإقامة في تلك البلاد ستحيل واقع أهالي هؤلاء الفارّين الباحثين عن مكان آمن من أداء الخدمة الإلزامية إلى حياة آمنة ومستقرة، ولهذا فإن الشباب يضطرون إلى إجراء عمليات التسوية مع عصابة النظام وأزلامه، غير الراضين عنها، ولكن لجهة كسب الوقت، ولتساعدهم في كفّ يد الجهات الأمنية عن ملاحقتهم، سواء لجهة الفارين من الخدمة العسكرية أو بالنسبة للمشمولين بالتجنيد الإلزامي، حتى يتمكن هؤلاء في استخراج وثيقة جواز السفر "المعضلة" لتتاح لهم مغادرة البلاد أصولاً.

وهذا ما بات يحلمُ به الجميع الذين تقدموا بطلبات لتسوية أوضاعهم، ناهيك بالوضع الاقتصادي المنهار، والغلاء الفاحش الذي لم يسلم منه أحد، أضف إلى ذلك فقدان الليرة قيمتها بشكل مرعب، وسعرها تجاوز 9000 ليرة مقابل الدولار.

الواقع من الصعب جداً أن يتغير سواء في مدينة درعا أو في غيرها ما دام أن هذه العقول الخشبية قائمة على سير البلد والمضي به وبأبنائه من سيء إلى أسوأ

المشكلة الثانية هي تدنّي مستوى الرواتب بالنسبة للعاملين في القطاع الحكومي، حيث بات راتب الموظف في أفضل حالاته، للعاملين الذين خدموا في الدولة ما يزيد عن السنوات العشر، لا يتجاوز 150 ألف ليرة سورية. أما في القطاع الخاص فإن الأجور لا تتجاوز 500 ألف ليرة، ولا ننسى في المقابل تدنّي رواتب المتقاعدين من العاملين الذين أمضوا في أعمالهم سنوات، فإن رواتبهم لا تتعدى 100 ألف ليرة، وهذا الأجر البخس لا يكفي صاحبه ليوم واحد في ظل الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، فضلاً عن مشكلة البطالة، وعدم توافر الأعمال للشباب، والحال كذلك في قطاع الخدمات والصناعة والزراعة الذي يُعاني من غلاء أسعار مستلزمات الزراعة، والتي تشتمل على كثير من أدواته من بذار وحراثة ومبيدات حشرية ووقود وأسمدة، ناهيك بتسويق المحصول الذي يباع بأسعار متدنية.

ومثال ذلك محصول القمح لهذا العام، والذي تم تسعيره من قبل الحكومة السورية بـ2800 ليرة للكيلوغرام الواحد من القمح، فيما اقتراح اللجان العليا للتسويق للكيلو يجب ألا يقل عن 3600 ليرة، والحال كذلك بالنسبة للجان المشكلة في اتحاد الفلاحين المركزي الذي اعترض على تدني سعر كيلوغرام القمح، ولم تنفع معها كل الخيارات، وأصرت الحكومة على إبقاء الأسعار على حالها، وهذه الأسعار للأسف تدفع الفلاحين إلى تهريب محاصيلهم وبيعها بأسعار ترضيهم إلى القطاع الخاص.  

وبالعودة إلى مشكلة الملاحقات الأمنية للشباب في مدينة درعا، فإنهم ما زالوا يتعرضون لها بالرغم من التسويات التي تقدموا لها للحصول على أوراق رسمية مثال "لا حكم عليه"، و"الوضع التجنيدي"، ومن بين هؤلاء أشخاص بحاجة إلى الرعاية الصحية الأولية، وهي متوافرة خارج مدينة درعا، ما يضطر المحتاجين منهم للسفر إلى دمشق لمراجعة الأطباء المختصين فيها، وهذا ما يدفعهم إلى الركض وإخضاعهم، ليتمكنوا من تسوية أوضاعهم، سواء بذريعة تخلفهم عن تأدية الخدمة الإلزامية، بالنسبة للطلاب المشمولين بها، أو بالنسبة للشباب الفارين منها، وكذلك تخليص البعض من ملاحقتهم بذرائع مختلفة أخرى.

هذه الإجراءات المتعفنة والقاسية التي ما زال المواطنون في سورية يعيشونها ويتألمون في ظلها، ما عليهم سوى الخضوع إلى ما يريده ويرغب في تطبيقه النظام السوري المتجبر القاتل الذي يتعامل مع الناس هناك، وفي غيره من المدن والمحافظات السورية، بكل إذلال لجهة إخضاع الأهالي لرغبته وكسر شوكتهم. ولم يراع النظام المأساة التي تحملوها، والفقر والحاجة والمعاناة التي تجبرهم على الهرب، على الرغم من ذلك، ظل يركض وراء تطبيق رغباته، والنيل من الشباب وهم بأمس الحاجة إلى من يأخذ بيدهم ويعطف عليهم.

الواقع من الصعب جداً أن يتغير، سواء في مدينة درعا أو في غيرها، ما دامت هذه العقول الخشبية قائمة على سير البلد والمضي به وبأبنائه من سيئ إلى أسوأ، وهي وحدها من تتحكم في قدراته، ولها الكلمة الفصل في حياتهم التي لم تعد تطاق في ظل هذا الكابوس المعتم الذي شلّ حركتهم، وأرق مضاجعهم!!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.