صفحات من يوميات لم تكتمل (3)

13 يوليو 2021
+ الخط -

لحسن الحظ بيّض الشباب وجهي وحضروا في الموعد دون تأخير، حضر أكرم القصاص ثم أيمن الحكيم ثم سعيد شعيب ثم الدكتور محمد مسعد ومتأخراً حضر مصباح قطب كالعادة. حدثنا عماد العبد الله عن فكرة المجلة وخطوات إصدارها، وعن أشياء أخرى لا علاقة لها بالمجلة من أصله، لكن القعدة كانت لطيفة جداً، بعد أن انتهت، قررت أن أعمل فيها "عبده المهم" وأصررت على دفع الحساب فكانت النتيجة أني "كعّيت" خمسين جنيه، يا الله، يا رب تيجي بفايدة بعد كده. بالطبع، كان لا بد أن أصر على دفع الحساب لكي يبدو لعماد العبد الله أنني رجل "فيّيص" ولست في حالة زنقة فيسهل ذلك من تفاوضي معه في الجوانب المالية، حيلة أتبعها دائماً وتعلمتها من عادل إمام، وإن كانت نتائجها قلما تحقق الهدف المرجوّ.

ملاحظة: لا بد أن أكتب ذكرياتي مع عادل إمام وصلاح السعدني وأحمد زكي قبل أن أنساها.

ملاحظة 2: اتلهي وخليك في خيبتك وشوف الأول طريقة تدفع بيها الإيجار.

ودعنا الشباب وصحبت عماد العبد الله إلى مقر موقع (إسلام أون لاين) في الدقي، حيث كان سيلتقي بالصديقة الدكتورة هبة رؤوف عزت، الدكتور جلال أمين هو أيضاً الذي عرفه عليها هاتفياً وطلب أن يلتقي بها لكي يلتقي بكافة ألوان الطيف في الساحة الثقافية المصرية طبقاً لتعبير جلال أمين، كان يمكن أن أصف له الطريق فقط، لكنني كنت بحاجة إلى الاستمرار في السهر و"التطبيق" فقررت أن أصحبه في المشوار، تذكرت حديث عماد العبد الله قبل قليل وتعليقه بشكل سلبي على كثرة المحجبات في شوارع القاهرة التي لم يزرها منذ سنين، هل سيصدم عندما يرى أن هبة محجبة؟ بالمناسبة هل تصافح الدكتورة هبة أم تفعل مثل أستاذتنا صافي ناز كاظم وتمتنع عن المصافحة غير مبالية بحرج من يمد يده. تعرفت على هبة رؤوف في الأردن حين ذهبنا للمشاركة في برنامج تلفزيوني يقدمه الدكتور وليد سيف، كان ذلك في عام 1998 وكان معها أطفالها وكانت في غاية اللطف، لكني لا أذكر الآن هل كانت تصافح أم لا، أفكار عميقة تليق بهذا المزاج العكر الذي زادته قلة النوم عكارة، تركته هناك ولم أصعد معه إلى المقر واتفقنا على الموعد التالي.

مشيت كثيراً لزوم حرق جاتوه اليوم وفطيرة الأمس وصحصحة نفسي أكثر، بعد فترة من المشي وجدت أمامي كابينة تليفون ميناتل، اتصلت بحمدي بسيط فلم يرد، اتصلت بمحمود عبد الغفار (9) وجدته في استوديو مصر في موقع تصوير فيلم (بلية ودماغه العالية)، قال لي إن التصوير لم يبدأ بعد، وأن هنيدي دخل الاستوديو للتو، أرجأت ذهابي إلى موقع التصوير لأبارك لمحمد هنيدي بدء التصوير، اتصلت بأشرف عبد الباقي واتفقت على أن أذهب إلى مكتبه في المعادي ومن هناك نذهب سويا، قرار موفق على الأقل لتوفير عشرة جنيه ثمن التاكسي، ستعاني الميزانية من قرار التصدر للدفع في جلسة جروبي.

اشتريت سندوتشات فول وطعمية وبيض بالصرمة وسجق، السندوتشات حجمها صغير وأنا جائع جدا، لكن كان يجب ألا أرتكب جريمة خلط الفول والطعمية بالسجق والبيض، دفعت الثمن غالياً فيما بعد، جلست على مقهى البحوث آكل وأتأمل في الرائحات والغاديات، هناك ارتفاع ملحوظ في مستوى المؤخرات، والمقدمات أيضاً، أو لعله السهر الذي يجعلك ترى الأبعاد مختلفة.

استمتعت أكثر بالنصف الأول من فيلم (حسن وعزيزة)، لكنه بلغة منتجي السينما لم "ياكل مع الناس"، ربما لأن النصف الثاني كان مفككاً وغريباً بعض الشيء، لكني أعجبت بقدرات كريم جمال الدين

اتصل بي عمنا أحمد فؤاد نجم، هذه أول مرة يطلبني على الموبايل، عادة يتصل بي في البيت، كان غاضباً جداً من موضوع مكذوب نشرته صحيفة (البلد)، تلك الصحيفة التافهة التي أصدرها عماد الدين أديب لكي يلعب بها أخوه عمرو، كان عم نجم محقاً في انفعاله لأن الموضوع تناول حياته الشخصية بشكل مسيئ للغاية، قال لي إن البعض نصحوه برفع دعوى قضائية، فقلت له إن ذلك من حقه، لأن ما نشر يخالف القانون بشكل سافر، لكنه رفض أن يبدأ بهذه الخطوة وقال إنه سيبدأ بنشر تكذيب في البداية، وإذا لم ينشر التكذيب بشكل لائق سيلجأ للمسار القانوني، وافقته وأعطيته رقم تليفون (البلد) ليقوم بالاتفاق مع من سيرد عليه على نشر تكذيب. (10)

ذهبت في الموعد إلى أشرف عبد الباقي في المعادي، كان فرحاً جداً بتركيب صور جديدة في الشقة التي أجرها بالقرب من بيته لكي تكون مكتباً له، وكان مهتما أكثر من اللازم برأيي في الصور والبراويز وديكورات المكتب التي يواصل تركيبها يوما بعد الآخر.

جميل أشرف، خفيف الظل وصحبته حلوة، أحيانا يصعب عليّ جداً حين أتذكر حجم الآمال التي كانت لديه قبل أن تتغير خريطة السينما ويتراجع كثيرا عن رفاقه هنيدي وعلاء ولي الدين وأحمد آدم. في العام الماضي راهن أشرف على فيلمين مرة واحدة هما فيلم (أشيك واد في روكسي) من إخراج عادل أديب وإنتاج حسين الإمام، وفيلم (حسن وعزيزة) من إخراج وإنتاج كريم جمال الدين، وفشل الفيلمان في تحقيق نجاح جماهيري، برغم أن (أشيك واد في روكسي) كان يحتوي على الكثير من عوامل الجذب الجماهيري، وقام أشرف بتوجيه اللوم لحسين الإمام لأنه لم يقم بالدعاية الكافية ولم يقاتل من أجل عرض الفيلم في دور عرض كثيرة مثلما حدث مع أفلام هنيدي وعلاء.

للأسف كانت المشكلة في الفيلم نفسه، لم أحب أداء أشرف فيه ولجوئه للأفورة، في المقابل استمتعت أكثر بالنصف الأول من فيلم (حسن وعزيزة)، لكنه بلغة منتجي السينما لم "ياكل مع الناس"، ربما لأن النصف الثاني كان مفككاً وغريباً بعض الشيء، لكني أعجبت بقدرات كريم جمال الدين، وأنتظر فيلمه القادم الذي أظنه سيكون أفضل. فشل أشرف في الفيلمين فاجأ الكثير من الذين كانوا يراهنون عليه ويعتقدون أنه سينجح أكثر من هنيدي وعلاء. البعض يقول إن السبب هو نزول أكثر من فيلم لأشرف في السينمات في السنوات الثلاثة الماضية كان قد قام فيها بأدوار صغيرة قبل أن يحدث انفجار "اسماعيلية رايح جاي"، ويتشجع المنتجون لعمل أفلام لهنيدي ورفاقه، بالإضافة إلى عرض مسلسلات تلفزيونية من بطولته. حين وافق أشرف على القيام ببطولات تلفزيونية، لم تكن حكاية بطولة السينما في باله، أضف إلى ذلك أن مسرحية (رد قرضي) التي كانت أول بطولة منفردة له لم تنجح أيضاً، وبرغم ذلك لم ييأس أشرف، ويفترض أن فيلم (رشة جريئة) الذي يقوم بتصويره مع ماهر عواد وسعيد حامد سيكون فرصة جديدة له لكي يستعيد فرصته في المنافسة، أعتقد أنه يمكن أن يتخطى أحمد آدم الذي لم يحقق نجاحاً كبيراً في تجاربه السابقة، لكن لكي يتخطى هنيدي وعلاء بعد ما حققاه من إيرادات يحتاج إلى معجزة، وهو ينتظر مني ومن محمد ياسين أن نساعده في تحقيق تلك المعجزة، شيء سخيف أن يدخلك البعض في حسابات لا علاقة لها بما تفكر في تقديمه، لكن هذه هي السينما وهذه هي قوانينها. كان الله في العون. (11)

...

هوامش على اليوميات:

(9) قبل أن تنخفض أسعار اتصالات المحمول وتنتشر، كانت جميع شوارع القاهرة والجيزة مليئة بكبائن للاتصالات الهاتفية تمتلكها شركة (ميناتل) كان يقال إنها مملوكة للدولة وظهرت حولها العديد من الشائعات، وقد اختفت فجأة مع زحف المحمول، لكن كابيناتها ذات اللون الأصفر في أخضر بقيت في الشوارع. حمدي بسيط هو صحفي فني مخضرم في صحيفة (الوفد) وكان صديقا عزيزاً وجميلاً، وكان مقرباً من كثير من الممثلين خصوصاً ممن أطلقت عليهم الصحافة وقتها "الكوميديانات" الشباب لأنه عرفهم قبل الشهرة، وكان هو الذي قال لأشرف عبد الباقي إن لدي سيناريو يمكن أن يناسبه، لأنني خجلت من تقديم نفسي لأشرف الذي كنت أعرفه من كواليس مسرحية (باللو) حين كنت أتردد على أستاذي صلاح السعدني. محمود عبد الغفار ممثل اشتهر بالكثير من الأدوار الصغيرة في أفلام هنيدي، ولم يكن وقتها قد احترف التمثيل بصورة كاملة كما هو عليه الحال الآن، بل كان يعمل كمدير لسينما سمرمون في العجمي، وكان يرتبط بصداقة وثيقة بجميع الممثلين الشباب، وهو شخص في غاية الكرم واللطف، وكان يحرص على دعوتنا جميعاً في رمضان لكي نفطر في بيته في أول شارع فيصل، وقد قضيت في ذلك البيت مع هنيدي وعلاء ولي الدين وأشرف عبد الباقي ليالي في غاية الجمال والبهجة، أتمنى أن يتاح لي الوقت للكتابة عنها.

(10) لا أذكر الآن تفاصيل الموضوع الذي نشرته صحيفة (البلد) عن أحمد فؤاد نجم، لكني أذكر أنها كانت المرة الأولى والأخيرة التي أسمع العم نجم يتحدث فيها عن اللجوء إلى القضاء، كنت طرفاً في أزمات لاحقة خاضها مع أناس قاموا بأكل حقوقه المادية، لكنه كان يقاتل من أجلها بشراسة وكان يستعين بي حين لا يرغب في الدخول في معارك. لم تستمر تلك الصحيفة البلهاء طويلاً برغم كل ما أنفق عليها من دعاية، كان عمرو أديب قد بدأ وقتها عمله كمذيع في برنامج (القاهرة اليوم) لكنه لم يكن قد اشتهر بعد، وكان أخوه الأكبر عماد بعد أن أنشأ صحيفة (العالم اليوم) الاقتصادية اليومية، والمجلة الأسبوعية الاجتماعية (كل الناس)، قد قرر إنشاء صحيفة تابلويد بعنوان (البلد) لكنها فشلت فشلا ذريعا. أذكر أن عمرو أديب كان قد هاجمني في إحدى مقالاته فيها، رداً على سخريتي منه في صفحة (صحافة وإعلام) التي كنت أحررها في صحيفة (الجيل)، وقد جمعتنا الظروف بعد ذلك بسنوات، حين عملت لأسبوعين كمقدم مشارك له في برنامج (القاهرة اليوم) قبل أن يتم استبعادي بتعليمات رسمية من البرنامج، لكن هذه قصة طويلة تستحق أيضاً أن تروى.

(11) للأسف لم يخرج كريم جمال الدين ثانية، وتفرغ لعمله في إدارة ستديو مصر، ولا أدري أين ذهب الآن، وللأسف أيضاً لم ينجح فيلم (رشة جريئة) في تحقيق نجاح جماهيري، برغم أنه كان أكثر تميزاً من الناحية الفنية من بعض أفلام محمد هنيدي الذي واصل النجاح بقوة الدفع الذاتي، وهو ما أحبط سعيد حامد الذي عاد إلى التعاون مع هنيدي بعد أن تركه لكي يقوم بعمل (رشة جريئة)، وللأسف تأثرت كل مشاريع أشرف السينمائية لاحقاً، وزاد تأثرها بعد أن فشلت تجربته مع هنيدي في فيلم (صاحب صاحبه) مع ماهر عواد وسعيد حامد، مع أن أشرف لم يكن مسئولاً عن ذلك الفشل، لكن الكثيرين قاموا بتحميله ذلك الفشل بقسوة قلب ليست غريبة على السينما وأهلها.

...

نكمل غداً بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.