04 أكتوبر 2023
شهوة الجنون من عبدو إلى آينشتاين
أعيش في فرنسا منذ عدة أشهر، وكلاجئ لا يتقن شيئاً من الفرنسية فإن اختلاطي بالفرنسيين يكاد يكون معدوماً. ولكنني أدمن تسجيل الملاحظات والمشاهدات عن نمط الحياة والخدمات والالتزام الاجتماعي بالقوانين وغيرها، وكأنني سأعود غداً إلى سورية وأعمل على الاستفادة من "التجربة الفرنسية" الهرمة.
ومن الأشياء التي سجلتها مؤخراً، والتي لا بد من العمل على تغييرها والاستفادة من الفرنسيين منها كان: الجنون!.
كنت في طريقي لإنهاء بعض الأوراق التي لا تنتهي في فرنسا عندما جلس بجانبي رجل أربعيني، وبدأ بدون مقدمات بالحديث معي، أخبرته بإنكليزيتي التي لا يفهم أحد منها شيئاً أني لا أتحدث الفرنسية، فانتقل إلى الإنكليزية، قال لي: يبدو من لكنتك أنك أميركي. فهززت رأسي موافقاً. صمت قليلاً ثم أضاف: أميركا بلد جيد، وفرنسا أيضاً بلد جيد، كل البلدان في هذا الكوكب جيدة.
كان التراموي قد توقف على أحد المواقف ورحت أحدّث نفسي بالنزول هرباً وانتظار التراموي القادم. صعد راكب بعدما ألقى سيجارته، فقال لي الرجل: هل تدخن؟ قلت: لا، قال: وأنا أيضاً، طلبت مني زوجتي التوقف عن التدخين لأجل صحة الأولاد. فسألته: كم ولداً لديك؟ فقال: لا أعلم!
شعرت هنا أني قد وقعت في فخ ما مع محدثي، لم يتركني لحيرتي مطولاً فسرعان ما قال: لا أعلم في الحقيقة، لدي الكثير من الأولاد والنساء، الكثير الكثير، ولكنني لا أذكر أحداً منهم. لقد فقدت عقلي مؤخراً وأنا الآن مجنون بالكامل.
فقلت مواسياً: لعله فقدان ذاكرة جزئي، فقال: لا لا، لقد فقدت كل شيء، أنا مجنون حقيقي، هل تعلم ما هو اسمي؟ قلت: لا، قال: أنا آينشتاين. أنا عبقري اسمه آينشتاين، كنت أعمل على مشاريع علمية متطورة جداً، لجلب الخير والسلام للناس، ولمكافحة الأمراض والفقر، يستحق كل الناس في هذا الكوكب أن يعيشوا بسلام، تستحق أميركا وفرنسا وأفريقيا وكل مكان.. ولكنني فقدت عقلي قبل أن أنجح في ذلك.
في حديثه الأخير كان واضحاً أن صاحبي مجنون حقاً، بعد بضع دقائق نزل على أحد المواقف بعدما أعتذر عن ازعاجي بأحاديثه، وتمنى لي زيارة سعيدة للمدينة، وغادر بهدوء.
كان لقاء آينشتاين محفزاً بشكل أو بآخر على إعادة بعث لقاء عبدو المجنون في سورية. لن يتعبك جنون عبدو، فهو واضح جداً، فما إن يصعد عبدو إلى الباص حتى يبدأ بشتم الجميع، يشتم أمهاتهم وزوجاتهم ويقسم الأَيمان المغلظة على أنه سيغتصب الجميع. ثم يتقدم منك ليطلب سيجارة، وإذا قلت له إنك لا تدخّن بصق في وجهك قائلاً: تفه.. رجال قد الحيط ولا تدخن!
عبدو ليس كآينشتاين يسعى إلى خير العالم وسعادته ومكافحة الأمراض والفقر، أسرّ لي مرة بحقيقته، فقال: هؤلاء الكلاب يظنونني مجنوناً، هم المجانين، أنا أعقل واحد فيهم، انظر انظر.. وعرض علي كرتاً شخصياً لمطعم فلافل قائلاً: هذا رقم سيادة الرئيس الشخصي، هو أعطاه لي وقال: يا عبدو إذا أحد أزعجك اتصل بي على هذا الرقم وسوف ألعن آباءهم. قريباً سوف اتصل به. وسوف أقتلهم جميعاً.. والله لخلي الدم للركب.
لم أدرك كم كان عبدو شرهاً للقتل والاغتصاب والأذى إلا وأنا أحادث آينشتاين، فمنذ تأكدت من أنه مجنون حقاً قفز عبدو من الذاكرة ليجلس بجانبنا، ولم تتوقف المقارنات بين الاثنين رغم نزول آينشتاين ليكمل بحثه عن طريقة ما يحقق فيها السعادة للناس على هذا الكوكب.
في سورية اليوم لم يعد عبدو وحيداً، بات له الكثير من الشركاء، جميعهم يرفضون الاعتراف بجنونهم، وجميعهم يمتلكون رقماً ما أو بطاقة ما عليها الرقم الشخصي للسيد الرئيس أو لله ربما، ستخوّلهم يوماً ذبح الجميع وجعل الدم للركب، عبدو نفسه بات يخاف منهم.
لا أخفيكم أشعر بالراحة مع المجانين هنا أكثر، فإذا كان لا بد من العيش مع مجنون ما، فليكن مجنوناً معترفاً بجنونه، مشفقاً على البشر وفقرهم وأمراضهم.
ومن الأشياء التي سجلتها مؤخراً، والتي لا بد من العمل على تغييرها والاستفادة من الفرنسيين منها كان: الجنون!.
كنت في طريقي لإنهاء بعض الأوراق التي لا تنتهي في فرنسا عندما جلس بجانبي رجل أربعيني، وبدأ بدون مقدمات بالحديث معي، أخبرته بإنكليزيتي التي لا يفهم أحد منها شيئاً أني لا أتحدث الفرنسية، فانتقل إلى الإنكليزية، قال لي: يبدو من لكنتك أنك أميركي. فهززت رأسي موافقاً. صمت قليلاً ثم أضاف: أميركا بلد جيد، وفرنسا أيضاً بلد جيد، كل البلدان في هذا الكوكب جيدة.
كان التراموي قد توقف على أحد المواقف ورحت أحدّث نفسي بالنزول هرباً وانتظار التراموي القادم. صعد راكب بعدما ألقى سيجارته، فقال لي الرجل: هل تدخن؟ قلت: لا، قال: وأنا أيضاً، طلبت مني زوجتي التوقف عن التدخين لأجل صحة الأولاد. فسألته: كم ولداً لديك؟ فقال: لا أعلم!
شعرت هنا أني قد وقعت في فخ ما مع محدثي، لم يتركني لحيرتي مطولاً فسرعان ما قال: لا أعلم في الحقيقة، لدي الكثير من الأولاد والنساء، الكثير الكثير، ولكنني لا أذكر أحداً منهم. لقد فقدت عقلي مؤخراً وأنا الآن مجنون بالكامل.
فقلت مواسياً: لعله فقدان ذاكرة جزئي، فقال: لا لا، لقد فقدت كل شيء، أنا مجنون حقيقي، هل تعلم ما هو اسمي؟ قلت: لا، قال: أنا آينشتاين. أنا عبقري اسمه آينشتاين، كنت أعمل على مشاريع علمية متطورة جداً، لجلب الخير والسلام للناس، ولمكافحة الأمراض والفقر، يستحق كل الناس في هذا الكوكب أن يعيشوا بسلام، تستحق أميركا وفرنسا وأفريقيا وكل مكان.. ولكنني فقدت عقلي قبل أن أنجح في ذلك.
في حديثه الأخير كان واضحاً أن صاحبي مجنون حقاً، بعد بضع دقائق نزل على أحد المواقف بعدما أعتذر عن ازعاجي بأحاديثه، وتمنى لي زيارة سعيدة للمدينة، وغادر بهدوء.
كان لقاء آينشتاين محفزاً بشكل أو بآخر على إعادة بعث لقاء عبدو المجنون في سورية. لن يتعبك جنون عبدو، فهو واضح جداً، فما إن يصعد عبدو إلى الباص حتى يبدأ بشتم الجميع، يشتم أمهاتهم وزوجاتهم ويقسم الأَيمان المغلظة على أنه سيغتصب الجميع. ثم يتقدم منك ليطلب سيجارة، وإذا قلت له إنك لا تدخّن بصق في وجهك قائلاً: تفه.. رجال قد الحيط ولا تدخن!
عبدو ليس كآينشتاين يسعى إلى خير العالم وسعادته ومكافحة الأمراض والفقر، أسرّ لي مرة بحقيقته، فقال: هؤلاء الكلاب يظنونني مجنوناً، هم المجانين، أنا أعقل واحد فيهم، انظر انظر.. وعرض علي كرتاً شخصياً لمطعم فلافل قائلاً: هذا رقم سيادة الرئيس الشخصي، هو أعطاه لي وقال: يا عبدو إذا أحد أزعجك اتصل بي على هذا الرقم وسوف ألعن آباءهم. قريباً سوف اتصل به. وسوف أقتلهم جميعاً.. والله لخلي الدم للركب.
لم أدرك كم كان عبدو شرهاً للقتل والاغتصاب والأذى إلا وأنا أحادث آينشتاين، فمنذ تأكدت من أنه مجنون حقاً قفز عبدو من الذاكرة ليجلس بجانبنا، ولم تتوقف المقارنات بين الاثنين رغم نزول آينشتاين ليكمل بحثه عن طريقة ما يحقق فيها السعادة للناس على هذا الكوكب.
في سورية اليوم لم يعد عبدو وحيداً، بات له الكثير من الشركاء، جميعهم يرفضون الاعتراف بجنونهم، وجميعهم يمتلكون رقماً ما أو بطاقة ما عليها الرقم الشخصي للسيد الرئيس أو لله ربما، ستخوّلهم يوماً ذبح الجميع وجعل الدم للركب، عبدو نفسه بات يخاف منهم.
لا أخفيكم أشعر بالراحة مع المجانين هنا أكثر، فإذا كان لا بد من العيش مع مجنون ما، فليكن مجنوناً معترفاً بجنونه، مشفقاً على البشر وفقرهم وأمراضهم.