شعبويات شبابية.. تصريحات هبة الشمايلة
برزت تصريحات الناشطة الشبابية، هبة الشمايلة أمام رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، كتأكيد لفكرة انتشار الأفكار المغلوطة وترسّخها، بل واتخاذها نمط "الموضة" أمام ما يستجدّ على الساحة من معطيات وأخبار وتحليلات، ولا سيما أنّ التجربة الحزبية (التي في طور الولادة)، باتت لها علامات لافتة في المجال التواصلي، وهو ما جعل البعض يشكّك بنتائج التجربة وانعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ضمن هذا الباب، كانت المداولات في الجلسة تعكس حالة التشتّت العامة، وقد أبرزت هبة الشمايلة هذه الحالة عبر حديثها الآتي: "إنني لا أؤمن بالحياة الحزبية، لأنّ الدولة تعطي المجال للمتقاعدين (تقصد كبار السن) بأن يؤسّسوا حزباً، الذين بدورهم يريدون استغلال "الشباب" في العمل الحزبي من باب أنهم عاطلون من العمل". وهنا يأتي دورنا لنتساءل عن الشعبوية العارمة التي أطلقتها هبة (ولا نقصد شخصها تحديداً، بقدر ما نقصد ظاهرة عمومية أصبحت وكأنها مسلَّمة بديهية لا يجوز نقاشها) ضمن الإطار الآتي: هل تتصوّر، هي وغيرها، أنّ العمل الحزبي "دكانة خيرية"، بحيث لا يجري استغلال أي فئة من خلال الشعارات أو الرموز؟ وهل يوجد ما ينقص أو يعيب العمل الحزبي عندما يستغل الأحداث والمتغيّرات لصالحه؟ هل توجد حياة حزبية معاصرة لم تستخدم فيها بعض القضايا مصلحياً، ومن ثمّ تجيّرها لصالح السياق السياسي؟ لا أعرف ماذا أقول؟ ولكن هذا الهذيان لا يقتصر على شخص محدّد، بل يمتد عبر مسطحات اجتماعية كثيرة. والمشكلة حقاً في اعتباره طرحاً سياسياً من الأساس، فضلاً عن تصديره إعلامياً.
ومما كان لافتاً في حديث هبة الشمايلة، استخدام لغة استعلائية تجاه الأجيال الأقدم، وهذه بالمناسبة مغالطة منتشرة في المجال التواصلي، بحيث يعتبرون أنّ الشباب هم وحدهم من يحق لهم امتلاك زمام الأمور. فإذا كان حديث الأحزاب المتكرّر عن دور الشباب، فذلك يندرج في إطار حثّهم على مشاركة الواقع وتغييره، لا إغلاق المجال العام أمام الفئات الجيلية الأخرى. وطبعاً لا داعي للقول باعتقاد الانحيازات الجيلية ببساطة، لأنّ معيار الكفاءة هو ما يحكم التراتبية الحزبية أو أيّ إطار تراتبي آخر. ولكن ثمّة معضلة كبيرة، باعتبار المسارات الجيلية مسطرة يُقاس عليها من يحق له العمل السياسي أو لا! وقد يكفي (وفقاً لهذا التصوّر) أن تكون شاباً حتى تستطيع ممارسة الاستحقاق السياسي على الآخرين، دون معيار للكفاءة أو لسوق العرض والطلب.
أصبحت كلمة "الفاسدين" وصفاً لكلّ عطب اجتماعي، بلا تعقيد أو تفكير تحليلي أو حتى تفسير للبنى المحلية التي تعمل على مأسسة الفساد وإنتاجه
وعلى سيرة المنافسة، ثمّة تصوّر بأنّ امتلاكك لشهادة ما (كالمتحدثة التي كرّرت أنها دكتورة وعارفة بالقانون) يعني إغفال دور التنافس وآلياته. لا أفهم حقاً كيف يتوقّع هؤلاء أن تسير الأمور على هذا الشكل. إنّ المنافسة هي التي تتحكّم بالتوظيف والترقية أو بالحصول على المنفعة، لأننا ببساطة ننتمي إلى سياق العرض والطلب، فقد تكون مهنياً ويكون راتبك عالياً جداً، وقد تكون دكتوراً ولا تجد قوت يومك، ولذا لا دخل للحكومة في اختياراتك الخاطئة المتعلّقة باستثمار أموالك بشهادة لا تحقّق لك مردوداً مادياً... هكذا تُدار الأمور للأسف!
ختاماً، يمكن اعتبار حديث جلسة الكرك ضمن سياق نمط التظلّم والشكوى الذي يميّز الحالة "الناشطية" في الفترة الأخيرة، وذلك ضمن إطار البحث عن أسلوب مريح للتفكير. وعلى أساس ذلك، أصبحت كلمة "الفاسدين" وصفاً لكلّ عطب اجتماعي، بلا تعقيد أو تفكير تحليلي أو حتى تفسير للبنى المحلية التي تعمل على مأسسة الفساد وإنتاجه. إنّ انعدام القدرة على الإشارة إلى أشياء ملموسة، واقعية، يؤدي إلى تزايد الحديث بالمصطلحات العامة، وبشكل متكرّر، ومن ثم "تأثيم" المجال العام بتعبيرات تبدو حقيقية مع مرور الوقت. وهنا، في هذه الحالة، تغيب الأوصاف الخاصة والفعلية للهموم التي يعاني منها الشباب!