سيادة الرئيس صمام الأمان

18 مايو 2017
+ الخط -

لا أعرف عدد المرات التي سمعت فيها أعلاماً كأن في رؤوسهم نار، ونجوماً من لحم وكرتون، صنعتها أضواء الكاميرا، والعدسة الساحرة، التي في عينها عوار، وصفاً للسيد الرئيس، بأنه صمام أمان البلد. كل شيء إلا سيادة صمام الأمان المقدس.

 لا يظهر في التلفزيون إلا نجوم الظهر، التي تعبر الفلتر الإعلامي، عبر صمامات أمان وولاء. وهناك مصطلح ميكانيكي أيضاً اسمه "صمام عدم الرجوع"، وله فوائد كثيرة في ميكانيك السوائل، لكنه في علم الاجتماع والسياسة ضار جداً. المجتمع ليس آلة. ولأن البلد ليس لها سوى صمام أمان وحيد ومسدود، راحت البلد في ستين داهية.

 صمام الأمان تعبير ميكانيكي عن منشأة صناعية أو دارة، أو جرة غاز، وفي البندقية، أي البارودة، وليس مدينة البندقية، اسمه مسمار الأمان. وفعلاً كان السيد الرئيس يريد البلدة دارة ميكانيك، كان يريد الشعب آلة، يشغّلها ويطفئها، تُدفئ في الشتاء، وتُبرّد في الصيف، وتدرّ الرز من ضروع كل الفصول.

نعرف أن كل آلة أو منشأة لها قطع احتياط، ولها أكثر من صمام أمان، لكن ليس لبلدنا المعطاء سوى صمام وحيد أوحد! وكل حديث عن صمام أمان جديد، أو بديل يعدّه القانون جريمة عظمى، واختراع مثيل له خيانة وطنية كبرى.

 تخيل عزيزي القارئ بلداً عظيماً ينشد الأغاني ليل نهار عن النهضة الصناعية، واختراع الأبجدية، والأمن والأمان، وليس له سوى صمام أمان وحيد. والقانون يمنع، ويكفّر، ويخوّن، كل حديث عن تبديله.

عرفت صديقاً يدرس الطب البشري، له هوايات ميكانيكية، قلّد صمام أمان جرة الغاز في الثمانينيات، وكانت تستورد، والبلد محاصرة، لكن التقليد فن وعلم يحتاج إلى رخصة إنتاج، والرخصة تحتاج إلى المرور عبر صمامات أمان صناعية وتجارية كثيرة والحداد بالطاحونة.. والطاحونة مسكرة.. إلى أن تصدقت علينا إيران بمليوني جرة غاز، في أوائل الألفية الثالثة، من غير صمامات أمان، بيعت للمواطنين بيعاً. 

ظلَّ المواطن يحمل الجرة على ظهره، أو يدحرجها مثل صخرة سيزيف على الطرق، يكوي بها تجاعيد الزفت، ويوقظ بها الزمن النائم. لم يفكر سوري في إنتاج عربة خاصة بجرة الغاز، فالتفكير ممنوع! ولن أفرط في الخيال بتمديد الغاز إلى كل بيت، والكهرباء أكثر أماناً طبعاً.

 أمس حاولت أميركا عقد صفقة مع روسيا، تقضي بضرورة تغيير صمام الأمان السوري، بعد ضحايا بمئات الآلاف ارتفعت إلى السماء، ونازحين بالملايين إلى الدول المجاورة، وتسربت عشرات الجراثيم إلى جسم سورية، لكن الأخبار تقول: إن روسيا لا تزال تعارض تغيير الصمام. روسيا نفسها ليس لديها سوى صمام واحد. ولا تحب هدر الصمامات! ويقول العارفون إن سورية قد صارت بصمامين؛ روسي، منعاً لسقوط الصمام السوري نتيجة الصدأ، والصمام السوري المعروف.

 وكان هدف الثورة الأوحد هو تغيير صمام الأمان، والذي لم يعد آمناً، راكم الصمام في المستنقع وراءه كل الأوساخ والملوثات، والذي حصل أن كل عناصر الآلة السورية قد تغيرتْ، وبقي صمام الأمان على حاله.

  الصناعة الروسية غير محمودة، لنتذكر أن كورسك غرقت، وأن بلجيكا استخرجتها، وتشرنوبل انفجرت بسبب صمام، وأن السفن الروسية تغرق، ويصعب تبديل الصمامات، أما الأميركان فيريدون سورية بصمام جديد يشبه الصمام القديم الخالق الناطق. أحياناً يكون الصمام القديم مثل حسني مبارك أحسن وأشرف من الصمام المصري الجديد، الذي يزعم أنه مزود بثلاث مراحل من الفلترة هي: الحق، الصدق، الأمانة.

  كنت أعمل في منشأة سورية، وأراقب حالياً العمل في المنشآت الغربية الأوروبية، العمال في أوروبا يعملون كفريق، أما في بلدي، فكان المهندس، في ظل صمام الأمان الوحيد، والناس على دين صماماتها، يقوم بعمله وكأنه نوع من الشعوذة، فيدخل إلى الآلة لإصلاحها ويقوم بألعاب خفة حتى يحتكر العلم، ويضلل من حوله محتفظاً بسرِّ المهنة، التي صارت كهانة.

 اليوم التالي لسقوط الأسد سيكون مرعباً، لكن الدول العظمى والإقليمية الراعية، تستطيع أن تجد صماماً بديلاً لخازوق الأمان، فالصمام سدَّ نهر التاريخ سداً.

 سأل إعلاميون مرّة، كأن في رؤوسهم تبن، صمام أمان مصر المزوّد بثلاثة فلاتر عن برنامجه؟ يعني بلغة الميكانيك سألوه عن كيفية عمل الصمام؟

 فجاء جوابه في خطاب حول عمل الصمام: "اللي ميريضيش ربنا احنا نبقى موجودين معاه، بندعمه، بنأيده".

الفلاتر عنده ليست مضروبة، هي تعمل بعكس وظيفتها، لكنها عملت صح في هذا التصريح.

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر