زيادة أعداد الوفيات في مصر وتساؤلات هامة حول الأسباب؟
أثار ارتفاع نسبة الوفيات بمصر، خلال النصف الأول من العام الجاري، والذي اعتبره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء "زيادة كبيرة في المعدل"، تساؤلات حول أسباب تلك الزيادة، وعلاقة وباء كورونا المستجد بها.
وحسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء (وهو الجهة الرسمية في مصر)، نشره يوم الاثنين 5 مايو/أيار الجاري، فإن مصر قد سجلت زيادة في الوفيات بنسبة 14.9% خلال النصف الأول من 2021، مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2020، في حين بلغت نسبة الزيادة 31.3% مقارنة مع الفترة ذاتها من 2019. وأوضح جهاز الإحصاء في بيانه أن عدد الوفيات ارتفع 16.8% خلال 2020 مقارنة بعام 2019، ليسجل 666.2 ألف حالة وفاة، مقابل 556.9 ألفا عام 2019، مشيرا إلى أن هذه الزيادة بلغت نحو 50 ألف حالة خلال الشهور الستة الأولى من عام 2021. وفي الوقت الذي لم يوضح البيان أسباب تلك الزيادة، علق عليها بأنها "زيادة كبيرة في المعدل" وهو ما دفع إلى إثارة تساؤلات حول أسباب هذه الطفرة في أعداد الوفيات وعلاقتها بوباء كورونا المستجد. وحسب وزارة الصحة، فقد بلغت وفيات كورونا 16 ألفا و306 حالات، من بين 282 ألفا و421 إصابة تم تسجيلها منذ بدء الجائحة في مارس/آذار 2020..
تعتبر نسبة الوفيات من المؤشرات الهامة على مدى جودة وكفاءة وعدالة تقديم الرعاية الصحية في أي مجتمع، وزيادة نسبة الوفيات تعني وجود خلل أو قصور في الرعاية الصحية بصورة عامة. وتتم دراسة تغيير نسب الوفيات من حيث النوع (ذكر/أنثى)، والفئات العمرية، والتوزيع الجغرافي حيث إن كل متغير له دلالاته الخاصة به. وقد ورد في تقرير الجهاز المركزي وجود زيادة بصورة عامة، وأيضا أشار بكل دقة إلى زيادة النسبة في الكبار وتراجعها في حديثي الولادة والأطفال، وإلى زيادة النسبة في الذكور عنها في الإناث، كما أنها أكثر في المدن عنها في القرى..
وتحليل هذه الأرقام صحيا وديموغرافيا يشير إلى وجود علاقة منطقية بينها وبين خصائص انتشار وباء كورونا بصورة عامة بين الكبار وقلته أو ندرته بين الأطفال، وزيادة النسبة في الرجال عنها في النساء، كما أن المدن وعواصم المحافظات كانت هي الأكثر في نسب الإصابات عنها في الريف والمدن الصغيرة.
ومن ناحية أخرى فقد أعلنت نائبة رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا بوزارة الصحة، ردا على تقرير الزيادة المماثل في العام الماضي، بأن فيروس كورونا ربما ليس مسؤولا بشكل مباشر عن كل الوفيات الزائدة، ولكن السبب هو زيادة وفيات أصحاب الأمراض المزمنة بسبب أمراضهم، بعد أن تجنبوا الذهاب للمستشفيات خوفا من الإصابة بكورونا. وهذا التفسير فندته وزيرة الصحة المصرية بطريقة غير مباشرة حيث أعلنت أن مبادرة 100 مليون صحة قد حافظت على صحة وسلامة أصحاب الأمراض المزمنة من خلال الزيارات المنزلية والمتابعة الدورية لهم، وهذا التناقض الواضح في التصريحات الرسمية يثير الشكوك بالطبع حول اعتبار أن هذا سبب في زيادة الوفيات.
هذا الارتفاع في نسب الوفاة بين مصابي كورونا رسمياً مقارنة بالمعدل العالمي قد أدى إلى تكرار مطالبات منظمة الصحة العالمية للحكومة المصرية بزيادة الفحوص
وتعتبر وزارة الصحة حالات الإصابة بكورونا هي التي تؤكد عبر تحليل مسحة PCR في معاملها الرسمية فقط ولا تأخذ إحصاءات الوزارة في الاعتبار نتائج الفحص نفسه إذا أجري في معامل المستشفيات الجامعية أو المعامل الخاصة.
وبالرغم من قلة الفحوصات للمرضى وإثبات ذلك في أسباب الوفاة إلا أن نسبة الوفيات الرسمية المعلنة في مصر حاليا وصلت الى 5.8 بالمائة من إجمالي عدد الإصابات الرسمي في حين أن النسبة العالمية لا تتجاوز 2.5 بالمائة فقط.
وهذا الارتفاع في نسب الوفاة بين مصابي كورونا رسميا مقارنة بالمعدل العالمي قد أدى إلى تكرار مطالبات منظمة الصحة العالمية للحكومة المصرية بزيادة الفحوص، والتي قد تؤدي إلى زيادة عدد الإصابات المسجلة أيضا، وهذا بدوره قد يقلل من معدلات الوفاة الرسمية حسابيا.
ومن المعروف أن الجهاز المركزي للإحصاء مهمته هي تجميع للأرقام من مصادرها وصياغتها في إحصائيات وجداول ورسوم إيضاحية باعتبارها مصدرا للبيانات على أن يقوم صانع القرار بدراستها وتحليلها واستخلاص المعلومات منها حتى يتم على أساسها وضع القرارات وحل المشكلات. وطالما أن المصدر الأساسي للبيانات هو الصحة والتي تلجأ بدورها إلى التكتم وعدم المكاشفة بالحقيقة فمن الصعب على الجهاز المركزي أن يعرض بيانات إيضاحية وتفصيلية تشمل أسباب الوفاة الحقيقية، ويظل الأمر متروكا للتحليلات والتوقعات.
وإن كانت جهات أخرى مثل مركز بصيرة للبحوث قد أصدر تقريرا ميدانيا في شهر يونيو/حزيران 2020 أشار فيه إلى أن عدد الإصابات الحقيقي بفيروس كورونا يبلغ 20 ضعف الأرقام الرسمية، وأعلن المركز وقتها عن بدء إجراء مسوح ميدانية لبحث ودراسة أسباب الوفيات ولكن تلك الدراسة لم تصدر حتى الآن.
وخلاصة الأمر هو أن تقرير الجهاز المركزي يعتبر كاشفا لعدم الدقة في إحصائيات وزارة الصحة والتي تضاربت تفسيرات المسؤولين فيها حول أسباب تلك الزيادة في الوفيات بالتزامن مع انتشار وباء كورونا ولهذا فمن الواضح أن انتشار فيروس كورونا هو السبب في زيادة الوفيات بصورة عامة في مصر خلال فترة الوباء عنها في نفس الفترة من سنوات سابقة، لأنه المتغير الوحيد الذي طرأ خلال تلك الفترة، فمع تثبيت العوامل الأخرى، في ظل وجود جائحة، فإن ارتفاع أعداد الوفيات يكون بسبب الجائحة،
ويكون السبب المنطقي الوحيد لتلك الزيادة في الوفيات خلال النصف الأول من العام الحالي هو انتشار وباء كورونا وبقاء المرضى داخل العزل المنزلي دون إجراء فحوصات وبدون رعاية صحية حقيقية، وبالتالي فإن تشخيص سبب الوفاة يكون بذكر أسباب أخرى مثل الالتهاب الرئوي أو الفشل التنفسي أو غيرها من الأسباب الظاهرية للوفاة.
وهذا بدوره يعتبر مؤشرا خطيرا على تدني خدمات الرعاية الصحية بين المواطنين، ويتطلب المزيد من الدقة والمصداقية عند صانع القرار حرصا على أمن وسلامة شعب مصر.