زكاتك... للأمم المتحدة!

زكاتك... للأمم المتحدة!

30 يونيو 2023
+ الخط -

المؤمنون من المسلمين سيئو الحظ فعلاً. فهم، إضافة لما يدفعوه من الضرائب لدولهم التي يعيشون فيها اليوم، عليهم أن يدفعوا ضريبة أخرى، شرعية هذه المرّة، هي الزكاة. وهذه الأخيرة هي نوع من ضريبة دخل إجبارية، لأنها فريضة، كانت تذهب، أيام الخلافة والحكم الإسلامي، إلى بيت مال المسلمين، أي ما يعادل البنك المركزي للدول اليوم، فتُضم إلى عائدات الدولة الأخرى، لتموّل نظامها وأنشطتها بما يخدم مواطنيها. 

أي؟ أي إنّ المؤمنين الملتزمين بأركان الإسلام الخمسة، والزكاة أحدها، يدفعون الضرائب في عالم اليوم، مرتين، في حين أنّ غير الملتزمين من المسلمين، أو من هم من ديانة أخرى، يدفعونها مرّة واحدة. هذا إن دفعوها ولم يتهربوا عبر جنّة ضريبية ما، وهي جنة دنيوية غير الجنة التي يطمح إليها المؤمنون.

هذا ظلم؟ لا شك. ولا أدري إن كان هناك اجتهاد قام به أحدهم لفضّ هذه المسألة. لكن هذه الازدواجية الضريبية، إن أمكن وصفها كذلك، "كوم"، والدعوة إلى تحويل عائدات فريضة الزكاة الضخمة إلى هيئة الأمم المتحدة وبعض مؤسساتها، "كوم تاني". 

فكلّ من يعرف أداء هذه الهيئة السيئ تجاه قضايا ما يُطلق عليه وصف الجنوب الفقير، وبلدان الزكاة تُشكل أغلبه، لا يستطيع إلا أن يفغر فاه دهشة حين يسمع أو يقرأ هذه الدعوة!

"يا لهوي" أكاد أقول، على طريقة الراحلة زينات صدقي. ولمَ يفعل المسلمون ذلك لهيئة، إضافة لتحيّزها عبر ميزان القوى فيها ضدهم، تموّلها بالأصل الدول الأعضاء فيها؟ 

فمعلوم أنّ هيئة الأمم المتحدة تتلقى تمويلها من مساهمات الدول الأعضاء وعددها 193 دولة، وتحدّد مساهمة كلّ دولة حسب قدرة اقتصادها. والدولة التي لا تؤدي حصتها من الميزانية تُحرم من التصويت (كما كاد يحصل للبنان بسبب إفلاسه). وكما هو معلوم أيضاً، فإنّ الولايات المتحدة، وحسب هذا القانون، تؤدي ما نسبته 22% من دخل الهيئة، وتحلّ الصين تالياً بنسبة 15%، ثم اليابان 12%، فألمانيا 6%.

الازدواجية الضريبية، إن أمكن وصفها كذلك، "كوم"، والدعوة إلى تحويل عائدات فريضة الزكاة الضخمة إلى هيئة الأمم المتحدة وبعض مؤسساتها، "كوم تاني"

ألا يكفي ذلك لتمويل مؤسسات الأمم المتحدة، وخاصة مفوضية اللاجئين التي تطلب هذه الأموال باسمهم؟ 

على صفحتها الرسمية، تقول المفوضية في تبرير أسباب هذه الدعوة، وفي باب "أسئلة متكررة" التالي: لماذا تسعى مفوضية اللاجئين لاستلام الزكاة والصدقات؟ ألا تقوم الحكومات بتمويل برامجكم؟ وتجيب: "تتلقى مفوضية اللاجئين التمويل من الحكومات، لكن نظراً لارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين داخلياً على مستوى العالم بشكل غير مسبوق، وازدياد احتياجاتهم الإنسانية، فإنّ هذا التمويل لا يغطي بشكل كامل عملنا في الاستجابة الإنسانية لحالات اللجوء والنزوح. هنا يكمن دور صندوق الزكاة للاجئين في تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للاجئين والنازحين داخلياً".

حسناً. تشدّد المفوضية على وصف داخلياً في التبرير أعلاه. فلم تُعطِ هي هذا التفويض، بدلاً من صناديق الزكاة المحلية؟ لا أفهم. إن كان السبب هو الفساد فلنقل إنّ هيئة الأمم ليست مشهورة بنظافة الكف. كما لن أناقش بفعالية هذه المفوضية بموضوع اللاجئين، فلو كان الموضوع موضوع إغاثة فعالة أو غير ذلك، لأمكن القول إنّ أيّ جهد مشكور ومحمود. لكن، هل عمل هذه المفوضية، كما بقية مؤسسات الهيئة، بعيد عن الخضوع لتأثير الأقوياء السياسي داخل الهيئة؟ من يستطيع أن يدّعي ذلك؟

تقول الأمم المتحدة إنه لديها فتاوى من كلّ حدب وصوب، تجيز لها استلام الزكاة وتوزيعها على اللاجئين والنازحين. صحيح، يمكن للمتصفح لموقعها، أن يعثر على فتاوى من رجال دين وهيئات إسلامية حكومية وخاصة، تسمح بذلك وتجيزه، لكن، إن أفتى مفتو الدول بجواز ذلك، هل يجوز لمؤدّي الزكاة، من باب الحس السليم على الأقل، أو يا أخي من باب المصلحة، أن يقبلوا؟ 

لمَ يتبرعون بزكاتهم لمنظمة عاجزة عن القيام بما تصدت له من واجبات في الدفاع عن السلم في وجه المتنمرين الدوليين؟ 

الأمم المتحدة؟ أهي تلك التي لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بالحدّ الأدنى، ليبقوا لاجئين يعيشون في المؤقت منذ أكثر من سبعين عاماً. أهي أم أونروا التي تقلّص خدماتها كلّ سنة مضيفة إلى فضاءات اللجوء الضيّقة أصلاً، ضيقاً ما بعده ضيق؟ 

أمم متحدة لا يمكن تعداد أو إحصاء الأضرار التي تسبّبت بها لشعوب الزكاة التي تطلب منهم أن يقدموها لها!

أهي الأمم المتحدة بمؤسساتها لحفظ السلام التي تسبّبت قواتها، في البوسنة مثلاً، بمذبحة آلاف المواطنين المسلمين الذين حاولوا اللجوء إلى مقراتها، فتركتهم في عراء تربّص فيه أعداؤهم، فذُبحوا على مرأى ومسمع من قوات حفظ السلام الدولية؟  

أهي الأمم المتحدة التي استغاث بآلياتها لبنانيون مدنيون احتجزوا لثلاثة وثلاثين يوماً في بيوتهم تحت رحمة القصف الإسرائيلي الرهيب عام 2006، وتحليق طائراته من نوع "إم كا" التي كانت تجوب السماء، نهاراً وليلاً، لتقصف أيّ هدف متحرّك دون تفرقة بين مسلح ومدني، فما أغاثتهم. لا بل، إنها، ولمّا اعترضوا طريق آلياتها مفترشين الإسفلت بأجسادهم، كما أخبروني هم بأنفسهم، نزل جنود "حفظ السلام" من آلياتهم وأخذوا يرمون بهم، نساء وأولاداً، على جانبي الطريق بعنف قلّ نظيره، ليتابعوا بعدها طريقهم نحو مقرّاتهم الآمنة؟ 

أمم متحدة، هي فعلاً كذلك، لكن علينا. تسيطر على قراراتها دول الفيتو الخمس، وفي الواقع غالباً دولة واحدة، تمتنع عن دفع نصيبها من ميزانية الهيئة إلا في حال لُبّيت أوامرها مهما كانت جائرة بحق الناس (راجع انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من مجلس حقوق الإنسان عام 2022 ووقف تمويل أونروا).

هيئة لا يمكن تعداد أو إحصاء الأضرار التي تسبّبت بها لشعوب الزكاة التي تطلب منهم أن يقدموها لها؟  

هل سيتوجب عليهم أيضاً تمويل منظمة دولية لا يمكن أن تتبنى قراراً لمصلحتهم لو كان في ذلك مصلحة أقل للدول المسيطرة على تمويلها أحياناً حتى من دون تمويل؟ 

ربما كان عليهم القبول في حال واحدة: أن يطلبوا، عملاً بما يحق للممولين الكبار في الهيئة، ولقاء هذا الدخل المالي الكبير من العالم الإسلامي، حق التصويت في مجلس الأمن الدولي مثلاً. ربما عندها يكون للأمر معنى ما. 

أما غير ذلك؟ فـ"زكاتك" غيّر الموضوع. 

ضحى شمس
ضحى شمس
كاتبة وصحافية لبنانية.