رياضة... الحَكَم يوبخ آل بدلة (5)

29 يونيو 2018
+ الخط -
الشيء الذي يبعث على السرور في رياضتنا المحلية هو الاستقلالية، وقوة الشخصية، وضرب عَرْض الحائط بكل قواعد كرة القدم المعروفة عالمياً، والاستهتار بقوانين الفيفا، وعدم الاكتراث لكل هذا العلاك الصدئ حاشاكم. 

ذات مرة، تعرض قلب هجوم فريق الحارة الغربية ببلدة معرتمصرين لعرقلة مقصودة من قبل مدافعي الحارة الشرقية، فجاء كابتن فريق الحارة الغربية، وهو من عائلة "بدلة"، راكضاً في الملعب المنحدر مثل جلمود الصخر الذي حطه السيلُ من علِ، وأمسك بالحَكَم من ياقته وقال له: دوزبا. (يعني: أعطنا ضربة جزاء)..

استطاع الحكم أن يخلص نفسه من ابن بدلة بصعوبة. وكان لاعبو فريق الحارة الغربية، وبينهم أربعة من آل بدلة، قد شرعوا يتقدمون منه لأجل الضغط عليه لتأييد طلب الكابتن بإعطائهم الدوزبا، ولاعبو الشرقية تقدموا نحوه لثنيه عن الرضوخ للاستغلال من قبل لاعبي الغربية.. وصار الحكم يومئ للطرفين بيديه للابتعاد، والسكوت، وأخيراً ابتعدوا، وسكتوا، فقال:

- اسمعوا الكلام اللي بدي أقوله، وافهموه، يا بَجَمْ (حثالة).. أنا أعرف أنكم طشوم (أغبياء)، كلكم طشوم، بلا استثناء، يعني مو بس فريق الحارة الغربية، الكل، وعندكم تناحة (عناد) تشبه تناحة جحاش الحَجَّارين لما تعترس (تتوقف بلا سبب)، ووالله إن لعبة الفوتبول العظيمة لا تتناسب مع تتييساتكم (تصرفكم كالتيوس).. ولك عمي، أولاً ضربة الجزاء اسمها (Penalty)، وليس دوزبا، والذين يقولون دوزبا يقصدون الكلمة الفرنسية (Glosbe)، والفرق بين الكلمتين متل الفرق بين الطز والمرحبا، وثانياً إن الذي يقرر إن كان لازم نعطي بينالتي أو ما نعطي هو الحيوان ابن الحيوان الحَكَم، يعني أنا، محسوبكم، وأنا والله ماني خروق (لستُ عديم الشخصية)، ولا تشتوش (ولستُ تافهاً)، أنا فلان ابن فلان على سن الرمح، وإذا كنت أنت يا ابن بدلة تشد ظهرك بعائلتك، فاعلم أن زمن الفساد والمشاجرات بين بيت بدلة وبيت العاشوري وَلَّى إلى غير رجعة، الآن الكلمة في البلد هي للعمال والفلاحين وصغار الكسبة، ووحدة حرية اشتراكية.. يعني حتى الأطباء والمهندسون والدكاترة وأساتذة العربي ما لهم قيمة في دولة العمال والفلاحين، وعليّ الطلاق بالثلاثة.. (واستدرك يقول) صحيح أنا ماني متزوج، ولكن علي الطلاق من امرأتي اللي بدي أتزوجها في المستقبل، اللي بدو يتدخل في التحكيم بعد هاي المرة لا يلوم إلا نفسه.. وإذا كنتوا هون خمسة أو ستة من بيت بدلة، ومفكرين تربحوا المباراة بالهيمنة، تفضلوا إلى الميدان، وأنا مستعد أواجهكم وحدي! واشهدوا علي يا شباب، ترى كل واحد في هاي المعميكة (الموقعة) دمه على أمه (يعني لا يلام مَنْ يَجرحه أو يطرحه)... 

ساد صمت رهيب بعد هذا التحدي السافر. استغل الحكم الصمت وأخرج البطاقة الصفراء، وأعطى لقلب هجوم الحارة الغربية إنذاراً بسبب تمثيل السقوط في منطقة الجزاء، وإنذاراً لكابتن الفريق ابن بدلة، ثم أمر باستئناف اللعب.. 

ومن يومها أصبح هذا الحكم أحسن حكم في المنطقة.. 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...