رسالة إلى والدته الحنونة

23 اغسطس 2017
+ الخط -
طوال سنوات حكم الرفيق القائد حافظ الأسد ووريثه لم يَسْرُقْ أحدٌ من العاملين في الدولة قرشاً سورياً واحداً من دون أن يُرفق سرقته بالوثائق القانونية اللازمة! وكان اللصوص المحترفون هم أكثر الناس تمسكاً بالحيثيات القانونية، فإذا سألت الواحدَ منهم عن سبب هذا التعقيد كله يقول لك: بدي أغطي حالي، لأنه، إذا ما كان الشغل تبعي قانوني بيقصوا إيدي.

ومع أن النظام الأسدي لم يسبق له أن حاسبَ لصاً، أو قص يده، فإن الأوراق الثبوتية التي تُطلب من المواطنين في كل المناسبات تزداد، مع الأيام، بدلاً من أن تنقص، وفي النصف الأول من سنة 2011، مع انطلاق الثورة، أراد النظام أن يخفف بعض الأعباء عن الإخوة المواطنين، فأصدر قراراً بإعفاء بعض الحالات من الحصول على موافقة الأمن السياسي، منها ختان الصبيان، والحصول على نسخ من مفاتيح أبواب المنازل والغرف. 

وذات مرة، قررت وزارة التعليم العالي منح الطلاب الذين يدرسون في الفروع العلمية، مبلغ عشرين ألف ليرة سورية (أي: ما يعادل 400 دولاراً)، لأجل أن يشتري جهاز كومبيوتر يعينه على دراسته، ولم تنس الوزارة أن تشير إلى أن هذا القرار (الحكيم) قد صدر بتوجيهات (حكيمة) من القائد التاريخي الدكتور بشار الأسد راعي العلم والمعلوماتية.. ولكن الوزارة "المعطاءة" اشترطتْ، من أجل تسليم الطالب الموفد مبلغ المنحة، أن يقدم طلباً خطياً يقول فيه إنني أريد أن أستفيد من المنحة، وأن يحصل على تصريح خطي من عميد الكلية التي يدرس فيها، ومن الدكتور المشرف على عمله، تنص على أن الدراسة في هذه الكلية بالذات تحتاج إلى كومبيوتر، حتى ولو كانت الكلية تدرس المعلوماتية والكومبيوترات! وأن يُرفق فاتورة نظامية (على أساس أن هناك فواتير غير نظامية) من أحد باعة أجهزة الكومبيوتر تنص على أن الطالب الفلاني اشترى من محله جهاز كومبيوتر، شريطة أن يكتب صاحب المحل في ذيل الفاتورة عبارة (قبضتُ المبلغ نقداً من الطالب).. ولم يسأل أحد مصدري هذا القرار نفسه: مِنْ أين سيأتي الطالبُ بثمن الكومبيوتر نقداً قبل أن يحصل على المنحة؟ فلعلهم يطلبون منه أن يستدين الثمن من أقاربه على أن يعيده لهم بعد اكتمال الإجراءات القانونية.

وقتها بدأ الطلاب في أوقات فراغهم يؤلفون النكات الهزلية على ذلكم القرار، فأضاف أحدهم بنداً يقول: وأما الشرط الثالث، يا سادتي الأكارم فهو أن يكتب الطالب، مستخدماً الجهاز الذي سيشتريه، ثلاثة موضوعات، الأول رسالة إلى والدته الحنونة بمناسبة عيد الأم، والثاني رسالة إلى والد الفتاة التي يحبها يطلب منه بموجبها يد كريمته على سنة الله ورسوله، ويستصرخ ضميره الإنساني بألا يُغَلِّي عليه المهر.. والثالث موضوع إنشائي يصف فيه الطبيعة خلال فصل الربيع الذي يأتي ضاحكاً من الحسن، وكيف أنها تكتسي بساطاً سندسياً، والعصافير تتنقل من فَنَن إلى فَنَن. أي نعم.

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...