رسائل في بحر الإنترنت

01 فبراير 2021
+ الخط -

بالتأكيد، آخر مكان في الدنيا يمكن أن تشعر فيه بالإلهام والشجن هو أي موقع للإعلانات المبوبة والخدمات الإعلانية، ومع ذلك كان من أجمل وأعذب ما قرأت مؤخراً مختارات من موقع Craigslist الإعلاني الشهير، ُنشِرت في أحد أقسام الموقع الذي يحمل عنوان Missed Connections وكان يمكن أن أترجمه حرفياً إلى (اتصالات مقطوعة) أو (لقاءات ضائعة)، لكنني أفضل أن أترجم عنوانه إلى (تقطّعت بهم السُبُل) ليس من باب الفذلكة اللغوية، وإنما لأن المختارات التي قرأتها في عدد مجلة (هاربر) الأمريكية جعلت ذلك القسم يستحق هذا العنوان، فهي عبارة عن رسائل قصيرة مشفّرة أرسلت بأمل الوصول الذي يدرك المرسلون استحالته، لأنهم يرسلونها إلى غرباء التقوا بهم بالصدفة في مكان ما ثم فقدوا أثرهم، ولذلك قرروا اللجوء إلى ذلك الركن الذي يستلهم فكرة (رسالة في زجاجة) ليرموا في قراره بحسراتهم وخيبات أملهم وأحلامهم في لقاء لا ينقطع، وإليك أمثلة على ذلك:

ـ 6 قطار الابتسامة، مدينة نيويورك:
أريد فقط أن أشكركِ على أنكِ سمحت لي بأن أنظر إليكِ طويلاً، قضيت وقتاً ممتعاً في النظر إليكِ، كان يجب أن أنزل في المحطة التي نزلتِ فيها لولا الموعد الذي ارتبطتُ به، هكذا هي الحياة دائماً.

ـ السيد مبيد الحشرات في مدينة وستشستر بولاية نيويورك:
قمت بالمجيئ إلى منزلي مؤخراً، بدا لي وكأنك تريد أكثر من مجرد التحدث.

إلى السمراء التي ترتدي قبعة رعاة البقر وتركب شاحنتها في سالم بولاية أوريغون:
يحق للرجل أن يحلم

ـ إلى سائق توصيل طلبات أمازون، بولدر، ولاية كولورادو: 
أمتعتني روحك المرحة ودعاباتك، كنت أتمنى لو كان لديك المزيد من الوقت، لكنني أعرف كيف يتعاملون معكم بشكل صعب. 

ـ إلى السيدة التي أرادت شراء فناجين الشاي، فانكوفر، كولومبيا البريطانية، كندا: 
لعامين على التوالي قمنا بتنظيم عرض لبيع أشياء تخصنا في الجراج، لاحظت في المرة الأخيرة أنك كنتِ مهتمة جداً بفناجين الشاي، أحببت أن أقول لكِ إنني أبيع تلك الفناجين فقط بسبب الموت الذي تعرضت له الأسرة وإلا لما فرطت فيها.

ـ وحشتيني يا كارين، بورتلاند، ولاية أوريجون:
أين كنتِ؟ هل وحشتك؟ سؤال مثير للاهتمام؟ هه؟ وقت طويل مضى. أسرارنا في أمان مع بعضنا.

ـ Safeway (سلسلة صيدليات ومتاجر شهيرة في أمريكا لكنها تنتشر بشكل أكبر في مدينة سياتل في الساحل الغربي التي أرسلت منها الرسالة المجهولة): 
مساء الجمعة خبطنا في بعض أثناء التسوق، وتكلمنا عن الإحباط الشديد الذي يسببه وجود أطفال وأزواج في المنزل حين لا تكون سعيداً، كان يجب أن أحصل على رقم موبايلك.

ـ إلى الفتاة اللطيفة في مطعم تشيليز، أورانج كاونتي، ولاية كاليفورنيا:
أردت أن أحصل على رقم موبايلك، لكن ابنتي كانت معي.

ـ إلى كاتشب زيادة، لوس أنجلوس: 
كنا في مطعم Chick-fil-A (سلسلة مطاعم للوجبات السريعة) وطلبت منك وضع كاتشب إضافي، بدلاً من ذلك وضعت المايونيز، لم ألحظ ذلك إلا بعد أن أنهيت صلاتي التي تسبق الأكل، لقد حولتني إلى أوروبي من أكلة المايونيز.

ـ إلى من جاء إلى منزلي لكي يبيع الأناجيل، مدينة كولومبيا، ولاية ميريلاند:
دردشنا قليلاً على باب منزلي، اشتريت إنجيلاً، أرغب في شراء آخر.

ـ صنع الوجوه المضحكة على الطريق السريع I-10 في توكسون بولاية أريزونا:
صنعت لك الكثير من الوجوه المضحكة خلال سيرنا على الطريق، وفي المقابل لم تقم إلا بصنع وجوه مضحكة قليلة، شكراً يا أخي، لم يعد أحد يقم بذمة برد الوجوه المضحكة التي يتلقاها.

ـ Sprouts on Lomas ألبوكيركي، ولاية نيو مكسيكو:
يصعب أن تكتشف من يغازلك إذا كنت ترتدي الماسك، لكن أعيننا كانت مغلقة.

ـ عرفتك من عينيك، باولدر، ولاية كولورادو: 
كنت خارجاً بعد أن دفعت الحساب في سوبر ماركت King Soopers حين رأيت العيون التي وقعت في حبها قبل زمن بعيد، كنت تتلقى المساعدة في خدمة العملاء، لا زلت أذكر كل الأوقات الجميلة التي عشناها، ربما آذيتك بطريقة ما، لكنني سعيد لأنك وجدت أحداً آخر، ستكون دائماً ذكرى جميلة لي.

ـ ب... أفتقد ضحكاتنا في القطار، شيكاغو:
لو كنت أعرف أنني لن أراك مرة أخرى، لكنت أخبرتك كم كانت تلك الضحكات في قطار الـ 4:42 تعني لي الكثير بعد يوم سيئ في العمل، كنت آمل بما أننا نعيش في نفس الحي أن أصادفك من جديد، أنا الآن أغادر الولاية لذلك كان على أن أخرج هذه المشاعر إلى الكون وأرى إذا كانت هناك فرصة لأن تراها.

ـ أبحث عن أولئك الذين شاركوني الحلم في ميلووكي ولاية ويسكونسن: 
أنا أبحث الآن عن أحد شاركت معه تجربة أحلام مشتركة، لقد كُسِرت روحي منذ حوالي سنة، وبعدها تسرب عقلي الباطن ووعيي إلى أذهان الآخرين، وهو أمر مستحيل كما قد يبدو، من المحتمل أن تعرفني يا من شاركتني الحلم باسم Marcer أو The Nothing  أو The Void أو ربما Dragon.

ـ إلى السمراء التي ترتدي قبعة رعاة البقر وتركب شاحنتها في سالم بولاية أوريغون:
يحق للرجل أن يحلم.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.