دعم الصمود الفلسطيني عبر الفعل الفردي
نتسمر أمام الشاشات منذ عقود نتابع جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، جرائم ينفذها الاحتلال ويتواطؤ على ارتكابها مباشرة معهم مجرمو الحرب في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأوروبا، وبغطاء من الأخوة الأعداء المطبعين. نتسمر أمام هذه الأخبار تتقاذفنا أمواج المشاعر المختلطة ما بين الشعور بالعجز والهزيمة، والكرب والحزن، والإحباط والغضب، لنرتطم في النهاية بشواطئ الذنب والمسؤولية! شعور غامر بالذنب والتقصير لكوننا نراقب عن بعد آمنين مرفهين في أجزاء مختلفة من العالم، بينما ترك الفلسطينيون وحدهم لتحمل هذه المعاناة الهائلة، تركوا وحدهم لتنهشهم أنياب العالم المنافق في واحد من أفجر مشاهد الظلم التي شهدتها البشرية! فالدول الغربية الاستعمارية المنافقة زحفت بقضها وقضيضها على حاملات طائراتهم وناقلات جندهم، حاملة ذخائرها المحرمة لسحق ما يزيد عن مليوني مدني فلسطيني محاصر منذ عقود، ومجموعة من مقاتلي الحرية ممن تسلحوا فقط بعقيدتهم وشيء من الأسلحة الخفيفة محلية الصنع.
هذه المشاعر المختلطة وعلى الرغم من الشعور الزائف بالعجز الذي يطغى عليها، يجب أن تخلق لدى كل فرد منا رغبة عميقة في إحداث فرق، والمساهمة في الدفاع عن المظلوم، حتى لو بدت جهودنا كقطرة في محيط. جهود يمكن أن تبدأ بالدعم المالي والتبرع لدعم صمود المحاصرين في غزة، ولا يجب أن نستهين بأي مبلغ أو دعم نقدمه مهما قل، فأي مبلغ كان مع تراكمه مع التبرعات الأخرى سيسهم في إنقاذ طفل أو حماية أم أو نجاة أسرة أو علاج شيخ، ولكن علينا تحري القنوات الأفضل لإرسال هذا الدعم، من خلال القنوات التي تتوافق مع قيمنا ولها سجل حافل بالشفافية وعدالة إيصال المساعدات وفعاليتها. كفرد وبعد تجربة أفضل تجنب بعض المؤسسات الدولية وبالأخص الأمم المتحدة، فلست على استعداد شخصيًا للمساهمة في دفع الرواتب والمنافع الفلكية لمتواطئين مثل قيادات الأمم المتحدة، ولكن هذا لا ينفي وجود منظمات دولية رائعة ساهمت في دعم الفلسطينين لعقود.
نستطيع كأفراد المساهمة في رفع كلفة الاحتلال وجرائمه على المحتل الصهيوني وشركائه الغربيين، من خلال المقاطعة الاقتصادية لبضائع هذه الدول قدر الإمكان
نستطيع كأفراد المساهمة في رفع كلفة الاحتلال وجرائمه على المحتل الصهيوني وشركائه الغربيين، من خلال المقاطعة الاقتصادية لبضائع هذه الدول قدر الإمكان، فلا شيء يؤلم شايلوك الغرب الرأسمالي مثل تراجع الأرباح! كفرد تستطيع الاستغناء عن البضائع الاستهلاكية، ومحاولة استبدال البضائع الأساسية إن وجدت لذلك سبيلا. وعليك أن تخطو خطوة إضافية وتعلن عن مقاطعتك، حتى مراسلة الشركات المقاطعة وإعلامهم بمقاطعتك وأسبابها الكامنة في دعم حكوماتهم لجرائم حرب الاحتلال، فحتى لو لم يظهر الأثر مباشرة فإن المقاطعة ككرة الثلج ما إن تبدأ بالتدحرج حتى يظهر أثرها وأحيانًا بسرعة. وبشكل عام، يجب أن تصبح المقاطعة أداة وممارسة يومية لدينا كأفراد لنعبر فيها عن احتجاجنا ومعارضتنا لانتهاكات أي سلطة ورأسمال.
كما يمكن للفرد الانخراط في الفعاليات والاحتجاجات والمسيرات المحلية لزيادة الوعي حول القضية وما يحدث، والإسهام في زيادة الضغوط على الحكومات والمجتمع الدولي للتراجع عن دعمهم العلني للاحتلال وجرائمه. بالتوازي مع النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة السرديات الكاذبة للمحتل وداعميه والمطبعين، ولرفع مستوى الوعي حول القضية، ومشاركة المحتوى الإعلامي الحقيقي في وجه بروباغندا الإعلام الغربي المضللة، ودعم أصوات الفلسطينين وداعميهم. من خلال المشاركة في الحملات والوسوم والعواصف الإلكترونية وتوقيع العرائض عبر الإنترنت للدعوة إلى حماية الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم، حيث يمكن للمنصات الرقمية تضخيم الرسائل وتوسيع نطاق وصولها وربط الأفراد والمنظمات ذات التفكير والقيم المتشابهة.
وحتى لو بدت هذه المشاركات غير فعالة لوهلة، فهي في غاية الأهمية لعدة أسباب، أهمها أنها تظهر التضامن المرئي الحقيقي ولا تقصره على التضامن الصامت وراء الشاشات، وتعطي فرصة للأفراد العاديين للمشاركة، وتظهر أننا نهتم وأننا على استعداد لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المستضعفين. كما أنها تعزز الوعي العام وتجذب انتباه الجماهير، وإن لم تقلق المعتدين فإنها على الأقل ستزعجهم ولو لبرهة وتذكر المحتل وداعميه برفضنا لجرائمهم ونفاقهم وازدواجية معاييرهم، وإننا لن نتوقف عن محاولة مساءلتهم ومحاسبتهم. كما أنها وسيلة جيدة لتعبئة الأفراد ذوي التفكير المماثل والقيم المتشابهة. والأهم أنها تشكل ضغطًا على صانع القرار حتى لو لم يقر بذلك، فغالباً ما يلاحظ القادة السياسيون والسلطات المظاهرات العامة والحملات الإلكترونية واسعة النطاق. هذه الفعاليات باختصار تشكل محفزًا للتغيير، وفرصة للمناصرة والتعلم تلهم الآخرين وتبني الحركات ولو بعد حين.
باختصار، حتى عندما تبدو أنشطة دعم الصمود غير فعالة على الفور، وأن لا أثر مباشرا لها، فإن المشاركات والمساهمات الفردية في الأحداث يمكن أن يكون لها تأثير طويل المدى، حيث تساهم مشاركتك أيًا كانت في حركة أوسع، وتزيد من الوعي العام، وتضغط على صناع القرار، وتلهم الآخرين للانضمام إلى القضية. يمكن أن يؤدي التأثير التراكمي لمثل هذه الإجراءات إلى تغيير دائم وحقيقي، وهو جانب مهم من المشاركة في دعم صمود أهلنا في فلسطين مهما ادعى المرجفون غير ذلك، وترقى هذه المشاركات إلى رتبة الواجب كأقل شيء يمكن أن نقدمه للمرابطين في الأرض المقدسة، بدلًا من الاكتفاء بمشاهدة الأخبار وسماع الأغاني الحماسية على الإذاعات ولعن الاحتلال في صدورنا فقط.