حكاية وحيد حامد مع أمن الدولة (2/2)

11 مارس 2021
+ الخط -

ـ لكن أستاذ وحيد، ماذا عن حرص الوزراء على حضور عروض أفلامك بشكل اعتبره البعض من النقاد مغازلة منك للحكومة؟

لما باعمل أفلام تعودت إني أقيم عروض خاصة أدعو لها كبار المثقفين وشباب الصحفيين، ويتصل بي وزراء يطلبون مني دعوتهم لحضور عروض أفلامي لأن ظروف عملهم لا تسمح لهم بالذهاب إلى دور العرض إلا في مناسبات كهذه، وأنا أوجه الدعوة بشكل رئيسي للوزراء الذين أعرف أن عندهم تذوق للسينما زي الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء ووزير الكهرباء مثلاً وبالطبع وزير الإعلام ووزير الثقافة. لا أدري ليه بنتعامل مع الوزراء على إنهم ليسوا بني آدمين ياكلوا ويشربوا ويروحوا الحمام ويشوفوا سينما، لو عديت البحر المتوسط تلاقي الوزراء في أوروبا وبرضه في أمريكا بيمشوا في الشارع، إحنا اللي بنحط الوزراء عندنا في قوالب مصفحة من الطوب.

ـ وصل الأمر إلى أن يكتب البعض أن تعاونك مع عادل إمام في الخماسية الشهيرة بالتحديد تم بتكليف حكومي مباشر؟ ما تعليقك؟

تعاوني مع عادل إمام كان دائما فنيا سينمائيا بحتا، عادل أكبر نجم جماهيري أفادني وجعل رسالتي اللي عاوز أقولها توصل لكل الناس، فرق إن يشوف فيلمك مليون أو يشوفه عشر ملايين، وهو استفاد مني بأن اشترك في أفلام جديرة بالاحترام، ولو افترضت جدلا، وهذا غير صحيح أنه حدث تكليف من الحكومة فهذا مشروع. ألا تجند الحكومة الصحافة لخدمة أهدافها القومية، الحكومة الآن تدعو للتطبيع مع إسرائيل، خلي الحكومة تيجي تقول لوحيد حامد اعمل فيلم مع التطبيع، هل سأفعل ذلك؟ أنا لو كنت باشتغل بتكليف في قضية الإرهاب كان ممكن أشتغل بتكليف في قضية التطبيع، كل ما كتبته كان بضمير وطني، واللي عنده دليل إني قبضت يقول، وأتحدى أن يثبت عليّ أو على عادل أننا حصلنا على امتياز واحد أو قرش ساغ واحد.

ـ هناك نقاد مثل الدكتور أحمد يوسف يعتبرون أن الاستفادة هنا تحدث في التدليل الحكومي الذي تحصل عليه كمنتج وكمؤلف ويحصل عليه عادل إمام كنجم؟

(بانفعال) الحكومة ما بتعرفش تدلّل، إنما تعرف تدفع لو انت حققت لها أهدافها، أنا الحمد لله الناس هي اللي تدلّلني، وعندما يعرض التلفزيون لي فيلما الناس تقعد تشوفه ـ قبل إجراء الحوار كان التلفزيون قد عرض لأول مرة فيلم (طائر الليل الحزين) أول أفلام وحيد حامد ككاتب ـ شوف إزاي الناس تعاملت مع أول فيلم لي. أفلامي أصبحت تعامل عند الناس معاملة الوثيقة، تتفق عليها أو تختلف، ده يسعدني، أنا لا أسفّه رأي الآخرين على الإطلاق ومن حقهم أن يختلفوا معي.

عندما يموت فنان اذهب إلى جامع عمر مكرم وشوف مين اللي بيودعه، الحكومة بتبعث مندوب، لكن اللي بيدفن الفنان هم الناس

الأستاذ أحمد يوسف عنده هاجس السلطة، ولازم يتعامل مع النقد السينمائي بمنظور فني وليس بمنظور تصنيف الناس إلى أصناف، لا بد أن يتعامل مع العمل الفني نفسه، افرض إن فيلم (المنسي) ده اتعرض وما عليهوش اسم وحيد حامد، هل يبقى فيلم سلطة وقتها.

بالمناسبة في حاجة ما تخطرش في بال حد إني إزاي كتبت فيلم المنسي؟ لما حصلت حادثة فتاة العتبة وقالوا إن البنت ضحية الحادثة كانت بتستغيث وما حدش سأل فيها، تحسرت على شهامة المصريين وفكرت في عمل يدعو لعودة الشهامة. وقتها دعيت لندوة في الصعيد، كان القطار يمشي ببطء، ووقفنا للحظات أمام كشك تحويلة منعزل، الصورة السينمائية أسرتني، وجاءتني الفكرة، بعد كده كمان قالوا إني سارق الفيلم من أديب مصري وقالوا إني سرقته من فيلم إيطالي.

ـ متى غضبت من هذه الاتهامات المتوالية؟

زعلت مرة واحدة من جمال الغيطاني صديقي عشان اتهامي بسرقة (النوم في العسل)، غير كده لأ، وعندما أدارت مجلة (روز اليوسف) وصديقي عادل حمودة عليّ حملة ما زعلتش وتعاملت معه بشكل عادي، وشعاري لا تخاصم من يغضبك رأيه.

ـ لكن ممكن ترقّد له؟

إطلاقا، ما بارقّدش لحد، طالما أكتب بحرية فمن حق الناس أن تكتب عني بحرية.

ـ طيب، أستاذ وحيد بوضوح، هل أملت عليك أي جهة رسمية في يوم ما مشهدا أو جملة أو رأيا يتم تسريبه داخل فيلم؟

ما فيش حد أملى علىّ شيء أو حذف شيء، أنا أقاتل في الرقابة وعشان كده بيقولوا إن وحيد حامد مسنود في الرقابة.

ـ هذا صحيح، ويستدلون على ذلك بأفكارك الجريئة التي يُسمح بها؟

أنا مسنود في الرقابة، نعم، أعلنها لك، بس مين اللي ساندني، أنا اللي ساند نفسي، أنا أدافع عن عملي وأستميت في الدفاع عنه ولا أقدم تنازلات، وقد أصل إلى القضاء وأعرف القانون ونَفَسي طويل، وأكتب دون أن يهمني هل الفيلم سيجاز في الرقابة أم لا، أنا أكتب ما أريد وأقاتل دفاعا عنه، ولا يهمني الكتابة من أجل التواجد، أنا عايش كويس تحت سقف القناعة، يقولون إنني أعيش عيشة الأغنياء لأنني أقعد في فندق الميريديان وأركب المرسيدس، لكني لا أعيش عيشة الأغنياء، أعيش عيشة مستورة وعيني دائما على الناس.

ـ حديثك عن موقفك من السلطة يدفعني لسؤالك عن رأيك في الاتهام الذي تكرر مؤخراً بأن عبد الحليم حافظ كان صوتاً للسلطة، وهي نفس التهمة التي توجه لك ولعادل إمام؟

مين قال إن عبد الحليم كان صوتاً لسلطة أيا كانت، فترة عبد الحليم كان كل الشعب المصري بيغني للثورة، مش المطربين بس، الناس اللي كانت بتطلع في المظاهرات تأييدا للقرارات السياسية، هل هذا غناء للسلطة؟ عاوز حد عاقل رشيد يعمل مقارنة بدل المهاترات اللي بيعملوها ويتأمل الأغاني الوطنية بتاعة عبد الحليم ويسأل نفسه سؤالاً واحداً: لماذا وصلت هذه الأغاني لوجدان الناس؟ ثم يراجع المسخ الحادث الآن ويسأل نفسه لماذا لا تثمر هذه الأغاني حتى لو أدخلتها عنوة في الآذان، مش معنى أن عبد الحليم طلعت له صور مع عبد الناصر أو إن عادل إمام بيتصور مع الوزراء يبقى بتاع السلطة، في هوليود كل المسئولين بيتصوروا مع النجوم الكبار، ليه ما نقولش عليهم كلاب سلطة.

من حقي كمواطن أتصور مع المسئول، لكن ليس من حقي التربح من علاقتي به، أنا رحت مع رئيس الجمهورية في زيارة لمشروع توشكى عشان مشروع قومي، وعبد الحليم لما غنى السد العالي كان بيغني لعبد الناصر ولّا بيغني للسد العالي، وحتى (أنت عمري) اللي تدخل عبد الناصر عشان تتعمل كانت أمنية من مستمع، في قاعدة لازم نؤمن بها إن الفنان باقي في وجدان الناس مدة أطول من السلطة، نحن الآن ننسى من الذي كان يحكم وقت سيد درويش، إسماعيل ياسين ولّا الملك فاروق أيهما أشهر وأحب في مصر الآن، نفسي أعرف امتى نبطل اتهامات.

ـ واضح أنك تُستفزّ من اتهامات العلاقة بالسلطة؟

أنا لا أُستفزّ، لأني عارف نفسي إني مش بتاع سلطة، وراجعوا مقالاتي وأفلامي برؤية واعية، مش هاقول لك أنا ضد السلطة علشان ما أبقاش كذاب، وإنما أنا مع الناس، وفي بعض الأحيان يكون كل الناس مع السلطة في قضايا معينة، تعال الصبح خلي الحكومة تدي الناس مرتب شهر وشوف ما سيحدث، وتعال اعمل قرار معاكس برفع ثمن العيش.

عاوز أقول لك على حاجة، السلطة حتى في أكثر الدول التي تتشدق بالديمقراطية وبما فيها أمريكا إوعى تصدق أنها بلا أنياب حادة. أمريكا في سبيل مصالحها على استعداد لقتل أبنائها وأن تدلس وأن تغش وأن تخادع، السلطة تحافظ على كيانها بشكل جيد جدا هناك، في العالم الثالث السلطة ما بتعرفش تعمل تغطية وأفعالها مفضوحة، ولو حدث وتعامل معها أحد ستُفضح.

أنا أؤمن بأن التغيير يتم من داخل المنظومة وإلا هيبقى الأمر عبث، والفنان دائما رداؤه الناس، وعندما يموت فنان اذهب إلى جامع عمر مكرم وشوف مين اللي بيودعه، الحكومة بتبعث مندوب، لكن اللي بيدفن الفنان هم الناس.

انتهى الحوار مع الأستاذ وحيد حامد، ولم ينته الحب لفنه وإبداعاته الجميلة.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.