حرب اللقاحات ما بين الاستحواذ والآمال
سباق محموم وكأنها حرب للقاحات ما بين بعض الدول تطالعنا يوميا بأخبار عن نسب عالية جدا ونجاحات غير مسبوقة لوضع حد لفيروس كورونا المستجد، في عالم يتعلق بقشة الأمل، ولمَ لا، فالعالم في قبضة فيروس سريع الانتشار أودى بحياة الآلاف من الأرواح وتسبّب على نحو خطير في عرقلة قسط كبير من النشاط الاجتماعي والاقتصادي للبشرية.
ووسط هذه الضبابية، لا بد أن نتساءل عما إذا كان تسويق اللقاح سيكون بأثمان باهظة، وهل ستدفع الحكومات تكاليف خيالية لنقله وتخزينه بدرجة حرارة منخفضة جدا؟ وكم عدد الدول التي ستستطيع أن تتيح هذا الخيار لشعوبها؟ ولا أقصد هنا تثبيط الهمة، لأن العالم كله محتاج لجرعة من الأمل للخلاص وهي أهم من اللقاح نفسه حاليا.
ولكن الأهم، ما قيمة لقاح يعطى لمجموعات وتحرم منه أخرى، في وقت اتسعت فيه المسافات وضاقت سبل الوقاية من العدوى كالنار في الهشيم لأنها عابرة للقارات والحدود.
وأخشى ما أخشاه أن تستحوذ الدول الغنية على حصة الأسد من أي من اللقاحات المرشحة للفوز المحتمل، فقد أبرمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكندا صفقات كبيرة بما يكفي لتطعيم سكانها بالكامل، حسب جريدة واشنطن بوست، كما أبرمت شركة فايزر، صاحبة اللقاح الأكثر حظا في العالم، عددًا قليلاً جدًا من الصفقات لتوريد منتجاتها إلى الدول النامية. وهو ما قيل أيضا عبر فيسبوك: "يجب ألا يُخذَل الفقراء واللاجئون في حقهم بالحصول على هذا اللقاح".
إنّ الإنسانيّة ستعبُر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف، لتظهر على الجانب الآخر وقد اكتسبت رؤية أوضح وتقديرا أعمق لوحدتها المتأصّلة وترابطها المُتبادَل
وبما أننا شاهدنا كيف كان تأثير هذه الجائحة على الحركة نحو الوحدة بين الأمم، فاللقاح ضد كورونا لا بد من توفيره للبشرية جمعاء مهما تفاوتت أعراقهم ومداخيلهم. وهذا يتطلّب تعاوناً شفافاً وصادقاً من الدول المعنية، كما يتطلب شجاعة علمية ضخمة للاعتراف باللقاح كمنفعة عامة عالمية.
وستثبت الأيام والأشهر القادمة ما إذا كانت حرب اللقاحات هي صراع على الهيمنة أم خدمة للإنسانية، فلا يمكن السماح لأي من الأجندات أو اعتبارات الربح بأن تكون الدافع لإنتاج أهم لقاح على الأقل في القرن الحالي. وكثيرا ما قرأنا مصطلح "قومية اللقاحات" في وسائل الإعلام لأنها بالفعل المحك الفعلي لإنتاج اللقاحات وتوزيعها بشكل منصف على العالم أجمع، وإلا فإن إنتاجها بدوافع أخرى أسلفنا بعضها لا يمتّ للإنسانية بشيء، بل يثبت أننا لم نتعلم أيا من دروس التاريخ ودروس الفيروس القاسية. وبين "فايزر" و"سبوتنيك في" و"موديرنا" و"سيروم" وغيرها ينتظر البشر بفارغ الصبر لوضع حدا لأصعب وباء عرفته البشرية.
وأخيرا أستشهد بكلمة لجلالة الملك عبد الله في منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد، حيث ركز على أن الجائحة وتداعياتها أحدثت تحولات في عالمنا، عز نظيرها في العصور السابقة، والتي تدق ناقوس الخطر وتؤكد احتياج البشرية لبعضها البعض، وأن حياة كل إنسان ثمينة. وهو ما يعزز أن أولويات حقوق الإنسان تغيرت في العالم وعاد الحق في الحياة والصحة يتصدر مشهد حقوق الإنسان في العالم.
ويعود جلالته ليذكّر العالم في المنتدى مخاطبا رؤساء دول حاليين وسابقين ومسؤولين حكوميين وأكاديميين ورجال أعمال وخبراء اقتصاد من جميع أنحاء العالم، بأن المشكلة التي تواجه بلدا ما هي فعلياً تواجه جميع البلدان؛ لذا لا يمكننا أن نختار ببساطة أن نعزل أنفسنا عن العالم، وأن نتوقع النجاة من الجائحة دون أضرار. وأنه من الأفضل لنا أن نعمل على ترسيخ أسس نظامنا العالمي، لا أن نتخلى عنه، وأن نسعى لتحسين وإعادة ضبط العولمة. وقد منحتنا جائحة كورونا الفرصة الفريدة للعمل على ذلك.
وبعد معاناة عالمية من تبعات الجائحة التي بدأت في أوائل 2020، فالمهم التذكير بأنه مهما بلغت صعوبة الأمور في الوقت الحاضر، ومع أنّها شارفت على بلوغ الحدود القصوى لتحمّل بعض أجزاء المجتمع، فإنّ الإنسانيّة ستعبُر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف، لتظهر على الجانب الآخر وقد اكتسبت رؤية أوضح وتقديرا أعمق لوحدتها المتأصّلة وترابطها المُتبادَل.