جولة في مشوار الأستاذ علي عبد الخالق (5)

01 يونيو 2021
+ الخط -

يواصل المخرج الكبير الأستاذ علي عبد الخالق حديثه عن تجربته السينمائية قائلاً: 
الفيلم اللي قررت إني أعمله من قلبي أيا كان رأي الناس فيه ويبقى هو الفيصل، كان فيلم (الحب وحده لا يكفي)، ويمكن بسبب القرار ده حصل معايا نفس اللي حصل في فيلم (أغنية على الممر)، كان الكلام ده سنة 1980 والفيلم نجح جدا والحمد لله، وأنا قبل عرضه وخلال صنعه ما كنتش اتبعت فيه مقاييس النجاح المتعارف عليها وقتها، غير إنه كان بيناقش قضية مهمة وهو رصد التغيرات الاجتماعية المرتبطة بالانفتاح وبداية التدهور اللي حصل للطبقة الوسطى، وأصحاب الحرف حصلت لهم انتعاشة اقتصادية، وده اللي كان شاددني في الفيلم: الموضوع، وبالتالي لما حقق الفيلم النجاح الكبير، ده فتح نفسي على الشغل وخلاني كملت في نفس السكة، وهو إني أختار الفيلم اللي يعجبني بغض النظر عن أي اعتبارات ليها علاقة بالمنتجين، فبعد (الحب وحده لا يكفي) على طول اشتغلت (العار) و(الكيف) و(أربعة في مهمة رسمية)، كلها كانت أفلام ناجحة تجارياً ومهمة فنياً والحمد لله، بس كلها اشتغلت فيها لإني حابب الموضوع بشكل رئيسي.

ـ في الفترة اللي كنت بتعمل أفلام فيها وانت مش متحمس كان في تجانس في موضوع الأفلام، بيغلب عليها الفيلم الاجتماعي إن صح التعبير، لكن كان في تجربة مختلفة تماما في الوقت ده وهي إنك عملت فيلم غنائي اللي هو (عذاب الحب) من بطولة المطرب عماد عبد الحليم ومديحة كامل، كان إيه ظروفها التجربة دي، هل عملتها محباً ولا مضطراً؟

أنا باحب الأفلام الغنائية وباستمتع بيها ومع ذلك ما عملتش أفلام غنائية إلا المرة دي بس، والحقيقة استمتعت وأنا باشتغل بالتحديد في مشاهد الأغاني لإنك وانت بتصور طول الوقت بتسمع مزيكا وكلام حلو وبتبقى في حالة سعادة أكتر من المشاهد التانية التمثيلية، والحقيقة الفيلم ده فضلت خايف منه فترة قبل ما أعمله، وقلت للمنتج طنوس فرنجية وكان راجل جميل إني مش عايز أعمل الفيلم، قال لي علي ما ينفعش أنا بعت الفيلم خلاص للموزعين بره مصر واسمك عليه كمخرج، قلت له: معلهش أنا قلقان، قال لي: ما ينفعش لازم تعمله، المهم عملت الفيلم وما نجحش، والله يرحمه طنوس فرنجية يمكن المنتج الوحيد اللي في حياتي اعتذر لي وقال لي أنا آسف إني ضغطت عليك عشان تخرج الفيلم ده، وقال لي بس أنا على فكرة ما خسرتش لإني بعته في الخارجي زي أفلام فاتن حمامة، ويمكن دي المرة الوحيدة اللي منتج يقول لي إنه كسب من فيلم خسران. (يضحك).

(الكيف) نجح في القاهرة والإسكندرية نجاح منقطع النظير، ولكن في سينمات الأقاليم ما نجحش بنفس الشكل وما أعرفش ليه

ـ في مطلع الثمانينات بدأت الفترة الأهم في حياتك الفنية من الناحية الجماهيرية والنقدية وهي فترة نجاح الثنائي المخرج علي عبد الخالق ومحمود أبو زيد كاتب السيناريو؟

أنا ومحمود أبو زيد أصدقاء من سنة أولى في معهد السينما، بدأت صداقتي معاه واستمرت إلى يوم أن رحل رحمة الله عليه، هو كان دفعتي في قسم إخراج بالمناسبة مش في قسم السيناريو لكنه أحب كتابة السيناريو، يمكن عشان بطبيعة شخصيته بيحب يقعد في البيت ويكتب ويتأمل، مش بيحب المجهود اللي في الإخراج، لوكيشنات وتصوير في شوارع، وهي فعلا شغلة مرهقة شغلة الإخراج، لكن صداقتنا بدأت قبل ما نتعاون مع بعض ككاتب ومخرج، ما كناش مجرد أصدقاء، هو يعرف أسرتي وأنا أعرف أسرته، اخواتي واخواته، أبات عندهم ويبات عندي ونسهر نذاكر، كانت علاقة حميمة جدا، بعد التخرج هو بدأ يشتغل ككاتب وابتدت أفلامه تنجح، وكنا طول الوقت بنتكلم ونشوف بعض، يعني أنا داخل فيلم أحكي له الفيلم وندردش، هو يكتب فيلم ييجي يقراهولي وأقعد أسمع منه الفيلم وهكذا، فضلت علاقتنا مستمرة وكل واحد بيشتغل لوحده، لحد ما جه فيلم (العار) وهو قرر ينتجه، لإنه كان حابب السيناريو ده جداً، وكان جمع اثنين من أصدقائنا منهم محمود عطا مصور وصديق ليه كان معاه في كلية الآداب لإن محمود اتخرج برضه من كلية الآداب قسم علم نفس بس خد الليسانس متأخر لإنه كان مشغول في معهد السينما وفي تيرمات كاملة ما كانش بيحضرها، المهم جاب الصديقين دول وجولي وقالي أنا عايزك تخرج الفيلم ده، انت عندك الخبرة في التفاصيل الإنتاجية وأنا صحيح كتبت لكن طول الوقت قاعد في البيت مش داخل في التفاصيل، فهابقى محتاج إنك تخرج الفيلم عشان أنا بأثق فيك فنيا وإنسانيا.

أخرجت فيلم (العار) وكانت بداية مشوارنا الطويل، والحمد لله الفيلم نجح جدا جدا وحقق إيرادات خرافية، وكانوا بيقولوا في السوق ده مش فيلم نجح، ده فيلم فتح شركة، وفعلا شركة محمود أبو زيد للإنتاج كملت، كان الفيلم التاني اللي مفروض نعمله هو فيلم (جري الوحوش) اللي قبل كده كان اسمه (أرزاق)، لكن في نفس التوقيت كان في فيلم لوحيد حامد مع نادر جلال اسمه (أرزاق يا دنيا)، فغيرنا اسم الفيلم، بالمناسبة الملخصات اللي فيها قصص الأفلام الثلاثة (العار ـ الكيف ـ جري الوحوش) كانت مكتوبة وموجودة عند محمود من فترة من قبل الشركة، وطبعا نجاح (العار) الساحق شجعنا نكمل ونعمل أفلام حلوة، وكان لينا سيستم شغل جميل الحقيقة، يعني احنا الاثنين من سكان حي مصر الجديدة فكنا نتقابل باستمرار نتناقش ونوصل لاتفاق على اللي هيتكتب، وآجي تاني يوم أقوله وريني كتبت إيه فيقول لي مثلاً ما كتبتش النهارده، أقول له ليه يا محمود، يقول لي أصل فكرت فيها لقيت كذا وكذا، ويقترح علي حاجات ونقعد تاني نتناقش لحد ما نتفق عليها، وبالتالي لما بيخلص السيناريو بيطلع مستوفي ونابع من شغل كله تفاهم.

ـ لكن (جري الوحوش) تأخر في الإنتاج وظهر قبله فيلم (الكيف)؟

عشان فضلنا نشتغل لفترة طويلة في فيلم (أرزاق)، ده كان اسمه الأول قبل ما يتغير اسمه لـ (جري الوحوش) وكان محمود عنده حيرة ومش مرتاح لبعض المشاهد، يعني قعدنا ست شهور في حاجة بنسميها بلغة السينما point of attack اللي هي النقطة اللي هننطلق منها ونخش على الفيلم، ودي نقطة مهمة جدا وكان كل شوية يقول لي مش مرتاح للي كتبته، ونقعد نتناقش في اقتراحات، والمهم في الآخر بعد ست شهور قال لي الفيلم مش ماشي معايا هنأجله، وهاكتب (الكيف)، قلت له يا محمود خلاص احنا اشتغلنا كل ده تعال نكمل عشان ما نبقاش ضيعنا وقت، قال لي: (الكيف) ده هاكتبه في 3 شهور وهتشوف، وفعلا بعد ثلاث شهور قط كان خلصان، وكان عندي فيلم وقتها مع كاتب آخر المفروض كنت هادخله لكني اعتذرت عنه لإني طبعا كل يوم كنت بابقى مع محمود في عملية الكتابة والتحضير للفيلم.

دخلنا (الكيف) وخلصناه وبرضه نجح نجاح غير عادي، لكن في حاجة غريبة مش عارف أفسرها لحد دلوقتي، (الكيف) نجح في القاهرة والإسكندرية نجاح منقطع النظير، ولكن في سينمات الأقاليم ما نجحش بنفس الشكل وما أعرفش ليه، يعني في واقعة لسه فاكرها، كان محمود هو اللي بيوزع الفيلم بنفسه، كان عنده مكتب بتاع عمه في وسط البلد، بحيث إن أصحاب السينمات اللي في الأقاليم ينزلوا يوم الإثنين اللي كان يوم بداية الأسبوع السينمائي ويشوفوا حفلة عشرة في سينمات القاهرة عاملة إيه وإيه الفيلم اللي ناجح فيها، فيقرروا يشتروا الفيلم، فأنا فاكر إن صاحب سينما في طنطا شاف الناس موقفة شارع سليمان باشا من كتر الزحمة على فيلم الكيف والحفلة كومبليه ـ كامل العدد ـ فاشترى الفيلم وراح يعرضه في سينما مصر في طنطا بص لقى السينما في كذا حفلة مهوّية وما فيهاش جماهير، وده اتكرر في معظم سينمات الأقاليم، وما عنديش تفسير لده لحد دلوقتي، لكن في الوقت نفسه كنا سعداء بالنجاح الجماهيري وبالاحتفاء النقدي بالفيلمين اللي خدوا جوايز في جمعية الفيلم اللي كان مهرجانها مهم، واشترك الفيلمين في مهرجان مانيلا السينمائي الدولي كمان وكان استقبالهم كويس جدا والحمد لله.

...

نكمل غداً بإذن الله.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.