تقنية "الفار" في تمييز الثوار
حرص الكثير من العلماء والأدباء العرب القدماء على تمييز منتجاتهم الفكرية وكتبهم العلمية، عبر وسمها بالعناوين الطريفة أو المسجوعة، كما لجأ بعضهم إلى جعل عنوان كتابه مسجوعاً مع لقبه وكنيته، ككتاب "الأغاني للأصفهاني"، و"من غدر وخان لابن المرزبان"، و"الأمالي لأبي علي القالي"، و"وفيات الأعيان لابن خلكان"، و"فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" لمحمد بن المرزبان، دون أن ننسى "رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس" لابن كرام الجشمي، وقيل إنّه لقي حتفه بسببه.
وقياساً على ذلك اخترت عنوان مقالي هذا، حيث يتابع الجميع المونديال العالمي لكرة القدم في دولة قطر، وقد دخلت تقنية حديثة في التحكيم، تسمّى تقنية الفار VAR، وتعني "حكم مساعد بالفيديو"، وهي عبارة عن فريق متخصّص مكوّن من ثلاثة حكام يقومون بمتابعة سير أحداث المباراة في غرفة عن بعد، وإعادة بعض لقطات الفيديو للأحداث المشكوك في أمرها، خاصة إن كانت هناك مخالفة بحق لاعب مع وجود حالة شك بتسلّل، وضمان اتخاذ القرار الصحيح في هذه الحالات.
التسلّل مصطلح يشاع استخدامه على صعيد رياضة كرة القدم، حيث يتسلّل لاعب إلى منطقة الجزاء من دون دراية اللاعب الخصم، بهدف تحقيق هدف في مرمى الفريق الخصم، وذلك على حساب النظام والأصول المتبعة في قانون رياضة كرة القدم. أما على صعيد الثورة، فالمتسلّلون لصفوفها ومؤسساتها لا يكتفون بتحقيق هدف واحد، بل يتبعون طرقاً غير أخلاقية للوصول إلى أهدافهم، مطوّعين ألسنتهم وأفعالهم لركل الآخرين بهدف تهميشهم أو تسقيطهم دون رحمة، وذلك بعد وسمهم بكلّ أوصاف القبح الاجتماعي من رذيلة وكذب.
إذا لم نبادر ونكشف كلّ متسلل مرتزق، فسننتهي إلى الهزيمة
ظاهرة التسلّل إلى صفوف الثورة وجدت مجالاً كبيراً وأخذت طرقاً عديدة، حيث تفنّن الكثيرون ممن يعرفون كيف ينتهزون الفرص ليتسلّلوا إلى سدّة قيادتها ومؤسساتها، غير آبهين بما ينتج عن ذلك من كوارث تضرّ البلاد والعباد. هؤلاء هم آفة أكلت الثورة وزرعت الانحراف السلوكي في طريقها، وعملت على زعزعة قيمها. كما أنّ المال السياسي الذي تدفق عليهم، حوّل النضال الملتزم بقيم ومبادئ الثورة إلى مجرّد نشاط يوظّف فيه المتسللون تجربتهم وخبرتهم لمن يدفع، شأنه في ذلك شأن لاعب كرة القدم، اليوم مع فريقه، وغداً مع فريق آخر، وبذلك تغدو الثورة كنشاط ومهنة، قواعدها اجتماع الأضداد والمراوغات، والفكرة ونقيضها. ومن ميزات المتسلّلين إبداعهم في فنّ عدم فعل أيّ شيء إيجابي، وامتهانهم اللعب والتطبيل في كلّ محفل، لا يهمهم أن يكون قائدهم صالحاً أو طالحاً، المهم في الأمر أن يتقاضوا أجرة نهاية الموسم.
حوّل هؤلاء الثورة إلى مباراة بدلاً من كونها ثورة لتحرير العباد والبلاد من قبضة الطاغية، وهم مستمرون بالالتزام بقواعد اللعبة، فبعد أكثر من عشر سنوات، ها هي مؤسسات المعارضة بكلّ أطيافها وأصنافها تراسل وتخاطب مؤسسات المنظومة الدولية لتخبرها عمّا يجري في سورية من قتل وتدمير وتهجير! أي ما زالت المعارضة منضبطة باللعب الخاسر!
اليوم، ونحن نتابع مباريات كأس العالم في قطر، فهل نأخذ العبرة منها، ونستفيد من الوقت بدل الضائع (كما في المباراة)، فنستثمره خير استثمار؟
إذا لم نبادر ونكشف كلّ متسلل مرتزق، فسننتهي إلى الهزيمة، لذا يجب أن نبادر إلى الهجوم من أجل ثورتنا، يجب أن نعيد الثورة إلى جمهورها، كي يطرد الخصوم والأعداء والمتسللون الذين استحوذوا على ملعبها.
علينا أن ندافع عن حريتنا، وأن ندرك أنّ الثورة ليست دار أبي سفيان من دخلها أصبح آمناً، فهي لا تجب ما قبلها، وليس كلّ من انضم إليها أو دعمها تسقط عنه الأحكام إن ثبت تورطه بقضايا فساد وغيرها. هل نفعل؟