بين الثقافات والبروتوكولات: عن عدم المصافحة

06 يناير 2025
+ الخط -

في عالم الدبلوماسية، تلعب التفاصيل الصغيرة دورًا كبيرًا في رسم ملامح العلاقات بين الدول والثقافات. من بين هذه التفاصيل، يمكن أن تكون تصرفات بسيطة مثل المصافحة ذات تأثير رمزي يعكس التحديات التي تواجه التفاهم الثقافي. مؤخرًا، أثارت حادثة رفض أحمد الشرع، القائد الجديد للإدارة السورية، مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك جدلًا واسعًا على وسائط التواصل الاجتماعي، حيث تسلط الضوء على الاختلافات الثقافية وأثرها في الحوارات الدبلوماسية.

جاءت الحادثة خلال زيارة بيربوك إلى دمشق في إطار الجهود الدولية للتعامل مع التحولات السياسية في سوريا. وبينما كانت المصافحة تُعدّ بادرة بروتوكولية طبيعية من جانب الوزيرة الألمانية، فإن امتناع الشرع عن المصافحة أظهر اختلافًا ثقافيًّا ودينيًّا، يعكس تقاليد يعتبرها بعض المسلمين ضرورية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالتفاعل بين الجنسين.

ورغم أن كاتب هذه السطور لا يتقن الألمانية، إلا أن وجودي في كندا يعطيني بعض التصور لما يمكن أن يكون عليه حال النقاش والجدل في الصحف الألمانية، حيث الكثير من المشتركات الثقافية بين ألمانيا وكندا. في سياق النقاش الإعلامي المحتمل، يمكن تصور أن تناول الصحف الألمانية للحادثة قد تنوع بين التركيز على الحوار الثقافي والبروتوكولي. فقد تتناول صحيفة Der Spiegel الموقف من زاوية تعزيز التفاهم بين الثقافات، مشيرة إلى أهمية تفهم السياقات المختلفة فرصة للحوار. بالمقابل، قد تركز صحيفة Bild، المعروفة بنهجها المباشر، على البعد البروتوكولي للحادثة باعتبارها تحديًا محتملًا أمام الجهود الدبلوماسية.

أما بعض الإعلام العربي، كذلك بعض الجمهور العربي، فقد نظر إلى الحادثة كإشارة إلى تمسك الشرع بالهوية الثقافية والدينية، مع إبراز ضرورة مراعاة الاختلافات الثقافية عند التعامل مع القضايا الدولية.

تشير الحادثة إلى تحديات مستمرة تواجه العمل الدبلوماسي في عالم متعدد الثقافات، حيث تختلف المعايير الاجتماعية من بلد لآخر، وغالبًا ما تكون هذه الاختلافات مصدرًا لسوء التفاهم إذا لم تُدَر بحساسية ووعي. وعادة تعمل الدول على التأكد من تدريب ممثليها على فهم القيم والعادات المحلية للأطراف الأخرى، للتقليل من فرص حدوث مواقف مشابهة. وقد أوضحت وزيرة الخارجية الألمانية تفهمها للموقف، وأنها كانت على دراية بذلك قبل وصولها لدمشق، وهو ما يظهر نهجًا متقدمًا في التعامل مع مثل هذه القضايا. وبظني المتواضع يجب أن تُستغل مثل هذه الحوادث لتعزيز الحوار الثقافي، والتأكيد على أن التفاهم بين الثقافات لا يعني تذويب الهويات، بل احترام التنوع والاختلاف.

تشير الحادثة إلى تحديات مستمرة تواجه العمل الدبلوماسي في عالم متعدد الثقافات، حيث تختلف المعايير الاجتماعية من بلد لآخر، وغالبًا ما تكون هذه الاختلافات مصدرًا لسوء التفاهم

من الأمثلة اليومية على الاختلافات الثقافية يمكن النظر إلى حالة يجلس فيها طالب أميركي أو كندي في الصف، وهو مادّ رجليه بينما يشرح البروفيسور درسًا. في الثقافة الأميركية والكندية، يُعدّ هذا السلوك غالبًا تعبيرًا عن الراحة والاسترخاء، وهو جزء من بيئة تعليمية تشجع على الانفتاح والعفوية. لكن في العديد من الثقافات الأخرى، قد يُعدّ هذا السلوك علامة على قلة الاحترام تجاه الأستاذ أو عدم تقدير الموقف التعليمي. هذا المثال يعكس كيفية تفسير التصرفات بناءً على القيم والمعايير الاجتماعية السائدة، ويوضح أهمية إدراك الفروق الثقافية في التعاملات اليومية.

حادثة الحذاء التي وقعت خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 تُعدّ واحدة من أبرز الأمثلة على الاختلاف الثقافي في التعبير عن الغضب والاحتجاج. عندما قام رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف بضرب الطاولة بحذائه، كان ذلك تعبيرًا عن احتجاجه الحاد على خطاب أحد المندوبين. في السياق الثقافي السوفييتي، كانت هذه الطريقة تعبيرًا صارخًا عن رفض القبول بالسياسات الغربية، في حين أن المشهد أثار دهشة الحضور من الثقافات الأخرى الذين رأوا فيه تصرفًا غير دبلوماسي. تعكس الحادثة اختلافًا في مفهوم البروتوكول والتعبير عن المواقف بين الثقافات المختلفة، وهو ما سلط الضوء على التوتر بين الشرق والغرب في الحرب الباردة.

عندما انحنى الرئيس باراك أوباما أمام الإمبراطور الياباني أكيهيتو، أثناء زيارته لليابان عام 2009، أثارت الحادثة نقاشات واسعة في الولايات المتحدة. الانحناء في الثقافة اليابانية هو رمز للتقدير والاحترام، ولكن في الولايات المتحدة فُسّر من قبل البعض على أنه علامة ضعف أو خضوع. هذا الموقف يعكس التحديات التي يواجهها القادة عند التعامل مع بروتوكولات ثقافية مختلفة، وكيف يمكن أن تُساء تفسير النوايا بناءً على المنظور الثقافي.

حادثة عدم المصافحة بين أحمد الشرع ووزيرة الخارجية الألمانية ليست مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل تعكس أهمية التفاهم الثقافي في العلاقات الدولية. إن قدرة الأطراف المختلفة على التعامل مع هذه القضايا بحساسية ووعي يمكن أن تكون مفتاحًا لتعزيز السلام والتعاون في عالم يشهد تنوعًا متزايدًا. الدبلوماسية ليست فقط عن السياسات، بل أيضًا عن فهم البشر واحترام ما يجعلهم مميزين.

أحمد مولود الطيار
أحمد مولود الطيار
كاتب سوري، كتب في العديد من المواقع والصحف العربية. له كتاب مطبوع بعنوان "يوميات عربي في كندا"، صادر في عام ٢٠١٨ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.