المهاجرون.. وشبكة تهريب البشر
الحديث عن مهربي البشر ودوافعهم لكسب المال، يظل هو الشغل الشاغل للراغبين في الرحيل من بلادهم وإيجاد الطرق الأفضل والأسهل للهرب، للخلاص من واقع اقتصادي ومعيشي بات لا يطاق، ولا يمكن تصديق هذه الفئة من الناس، أو الأخذ بيدها لأنها تحاول بصورة دائمة الرمي بصنارتها باتجاه فريستها للتمكن من اصطيادها والايقاع بها وبشتى الطرق، وإن كلفها ذلك ما بين يديها من مال.
هذه طباعهم، وهذا ما جبلوا عليه. والذي يلاحظ، وفي الأعوام القليلة الماضية تبدل الصورة الحقيقية للاجئين وازدياد أعدادهم، وخاصة بالنسبة للدول الفقيرة التي تعاني من شحّ مادي، فضلاً عن تعامل حكامها مع أمثال هذه الشريحة من الناس الفقراء الذين وقعوا لقمة سائغة في فم حكام طغاة، العنف هو جوهر ما يمارسونه بحقهم، والتغييب القسري الذي يمارس بحقهم، والقتل هو مبدأها الأساس، أضف إلى إيداعهم السجون وبدون سبب، وكل هم تلك الحكومات العمل على ابتزاز مواطنيها وإذلالهم والنيل منهم، ما يدفع بهم إلى البحث عن الأمان والاستقرار والعيش بكرامة، بعدما فقدوا أبسط مقومات الحياة الآدمية، والفقر الذي يعانون!.
وفي حسبة بسيطة نجد أنّ عدد اللاجئين من بلد متعافٍ مثل سورية وصل إلى ما يزيد عن الـ تسعة ملايين مهجّر اضطرتهم ظروفهم القاسية البحث عن مأوى، وكسب رزقهم بعد أن فقدوا كل شيء بسبب الحرب والدمار الذي تعرضوا له، ما دفعهم إلى الهجرة القسرية، وما تبقى منهم ظل يعاني الفاقة والعوز، والغلاء المعيشي المستشري، وانهيار الوضع الاقتصادي الذي تراجع بصورة مرعبة مع تراجع قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، ووصل إلى رقم مخيف بحيث أن المواطن وقع في حيرة من أمره بين الهرب والبقاء في بلد أصبح فيه الدولار الواحد يساوي أربعة آلاف ليرة سورية، بعد أن كان ما قبل نشوب الحرب لا يتجاوز الخمسين ليرة.
وفي هذه الصورة المرعبة، لجأ المواطن في سوريا إلى الدول الجوار، ومنهم من سمحت ظروفهم المادية إلى السفر بعيداً إلى الدول الأوربية، و تعد الأكثر أماناً ودفئاً، ووصلت أعدادهم بمئات الآلاف، واحتضنتهم تلك الدول بكل حب، وعاشوا فيها حياة استقرار، ناهيك بالدعم المادي الذي تقدمه لهم ولأسرهم، وتوفير سبل العيش الكريم، وأصبحوا اليوم في وضع متعاف لم يعد الغالبية منهم يفكر، لمجرد التفكير، العودة إلى بلاده، وإن تحسنت الأوضاع الأمنية والاقتصادية فيها، أو حتى في حال تبدل حكامها الطغاة، فهذا لا يعني لهم العودة والعيش فيها من جديد، يكفيهم أنهم يعيشون في وفرة الماء والكهرباء، والخدمات العامة، وكل ما من شأنه أن يرضي رغباتهم.
وإذا ما عدنا إلى المشكلة الرئيسية التي ما زال يعاني منها المواطن مع شبكات تهريب البشر التي تحاول تسهيل طرق المنافذ أمام المهاجرين الجدد، الراغبين في ترك بلادهم والتوجه نحو الدول الأوربية الأكثر أماناً واستقراراً، والعيش بكرامة، فإن هذه الشريحة من الناس بحاجة إلى المزيد من تسليط الأضواء على شبكات التهريب التي تحاول جاهدة الضحك على أمثال هؤلاء الراغبين في الهجرة واستغلالهم مادياً، ووضع العصي في العجلات في أغلب خططهم بهدف ابتزازهم، واختلاق الكذب وبكل أشكاله لدفعهم الغالي والنفيس للوصول إلى ما يبحثون عنه، وهذا ما يضطرون إليه "مكره أخاك لا بطل".
المشكلة الأهم ليس بدفع المال بقدر ما هي في حال نجاح المهرب في تنفيذ العملية التي يرسم ملامحها ويخطط لها، وفشلها يعني احباط اللاجئ الباحث عن المأوى والأمان.
ما يهدف إليه المهربون هو استغلال المهجرين الجدد الراغبين بالرحيل بعيداً عن بلادهم وأهلهم بحثاً عن الأمان، وفي ما يلوحون به من خدع، والضحك على الذقون، وهذا ما يجعل اللاجئين أسرى هؤلاء، وعدم اتخاذ أي قرار من شأنه احباط محاولاتهم البائسة، وتأخرهم في تنفيذها، لا سيما أن الراغبين من هؤلاء المهاجرين يحاولون التذلل لذلك المهرّب الذي يتذرع بحجج واهية يختلقها ليمرر ما يرسم من خطط، ويبدي كل المحاولات وإظهار الأسهل منها في سبيل ارضاء ذلك للراغبين بالسفر، إلّا أن الواقع شيء والطريق الذي يحاول ركوبه والوصول إلى البلاد الراغب اللجوء إليها شيء آخر، وهذا بالتأكيد يختلف عن كل ما يرسمه لهم على أرض الواقع.. وبعيداً عن ذلك تعرضهم للموت كما حدث مؤخراً في جيب مليلية شمال المغرب ما أدى إلى مقتل 23 مهاجراً عندما استعملت السلطات المغربية والإسبانية العنف ضدهم.. وهي ممارسات غير إنسانية من قبل قوات حفظ الأمن . وغيرها من الصور المؤسية التي عاشها وما زال اللاجئون لجهة الوصول إلى أماكن يبحثون للاستقرار فيها.
المعاناة ظلت كبيرة، ورغم ذلك فإن العاملين في شبكات تهريب البشر ما زالوا يمارسون دورهم، ولا يمكن لهم أن يتوقفوا على الرغم من محاربة الدول لهم، وزجهم في السجون، ولم يترك لهم أي مبرر يمكن أن يعفيهم من هذه الجريمة التي ظلت تلاحقهم بالعمل على تسهيل ترحيلهم، في ظل استغلال أعضاء شبكة الاتجار بالبشر الباحثين عن الهجرة، وبأي صورة كانت.