الفشل ليس في الذات بل المهارات
سعيد ناشيد
الإحساسُ بالعجزِ إزاء موقفٍ معيّن هو بمثابةِ لحظةٍ مفصلية في بناءِ شخصيّة الإنسان، فقد يُفضي إلى أمراضِ الروح التي يُعاني منها بعض "المستضعفين في الأرض"، من قبيل النفاق والحسد والحقد والتذمّر والانتقام، وهنا يكمن جوهر نقد الفيلسوف، فريدريك نيتشه، لضعافِ النفوس، لكنّه قد يكون، من جهةٍ ثانية، فرصةً لتطويرِ المهارات وتجاوز وهن الذات حين تظلّ الروح معافاة. وهذا هو المطلوب.
قد يكون الإحساس بالعجز فرصةً للضغينة والهدم والانتقام، وبالتالي تدمير كلّ ما هو إنساني في الإنسان، لكنه قد يكون فرصةً لتطوير مهارات مبدعة يسمو بها الإنسان في مراتب الإنسان.
المسلك الأول سلكه كثير من الضحايا ممن مسّ العجز أرواحهم فصاروا أسوأ من الجلاد. بل بوسعِ جدل الجلاد والضحيّة أن يفسّر تقلباتٍ كثيرة في تاريخِ البشرية، حيث كان الضحايا ينتهون إلى تقمّص دور الجلاد، في نوع من تبادلِ الأدوار.
معظمُ الطغاة عانوا من الإهانةِ والاضطهاد في مراحل من أعمارهم، وعجزوا عن الردِّ في الوقتِ المناسب. كما أنّ هناك منهم من عانى من صعوبات في التعلّم ثمّ ساقه القدر (وليس الذكاء) إلى مواقع المسؤولية، فصار يمقت أهل العلم على سبيل التشفّي.
على أنّ هناك مثالاً من نوع آخر، إذ كثيراً ما يكون تعنيف الزوجات مجرّد تغطية من طرفِ الزوج على "عجزه الجنسي"، والذي لم يُحسن التعامل معه.
أما المسلك الثاني، فتقدّمه الحكمة الآسيوية وفق قواعد بالغة الأهمية، حيث يمثّل العجز، سواء في المستوى العضلي أو التعليمي أو الجنسي، فرصةً لتطوير مهارات تنهي مفعول الضعف دون هوس إظهار أيّ نوعٍ من القوّة أو البطولات الاستعراضيّة. وهو هوس قاتل لأصحابه.
قدرات جسدك الكامنة لا محدودة، ودورك في هذه الحياة أن تفسح لجسدك المجال لكي يُعبّر عن نفسه ويطوّر مهاراته بنفسه
لقد قدّمت الحكمة الآسيوية نصوصاً مهمة لغايةِ تمكين الضعفاء عضلياً من خوضِ فن الحرب بكفاءةٍ عالية، بيد أنها قدّمت أيضاً نصوصاً لا تقلّ أهمية لغاية تمكين الضعفاء جنسياً من خوضِ فنّ الحبّ بكفاءةٍ عالية.
هنا لستُ معنياً بالتفاصيل التي يُمكن لأيّ واحد أن يطلع عليها بنفسه، أو يمكنه أن يستنبطها من نفسه بنفسه، لكنّي أستطيع أن أستنتج بأنّ المبادئ هي نفسها في كلّ الأحوال: إخلاء النفس من كلّ الانفعالات السلبيّة، التركيز بصفاءٍ ذهني، الانتباه الحسّي إلى اللحظةِ بتفاصيلها، المرونة العاطفية والحركية، عدم التسرّع في أيّ خطوة، الانسياب مثل الماء وترك الجسد يتكيّف من تلقاءِ نفسه.. إلخ.
الوصفة هي أن تثق في جسدك، بإمكانيّاته الكامنة واللامحدودة، وذلك بمعزل عن وصفاتِ الكهان، التي لا تزيدُ الخائفين إلا خوفاً، ولا تزيدُ العاجزين إلّا عجزاً.
إنّ التصوّرَ الخاطئ عن مفهومِ القوّة الجنسية هو الهوس الذي يُفضي إلى الخوف من "الضعف الجنسي"، ومن ثم تكون النتائج عكسية على الدوام، لذلك ليس مستغرباً أن تستشري مشاعر العجز الجنسي لدى الكثيرين ممن يعوّضون عن ذلك الأمر باللجوء إلى العربدة، التحرّش، والعنف.
معظمُ الطغاة عانوا من الإهانةِ والاضطهاد في مراحل من أعمارهم، وعجزوا عن الرد في الوقت المناسب
لذلك، فهكذا بوسعي أن أوصيك:
حين ينتابك إحساس بالعجز، فلا تقل أنا عاجز طالما العجز ليس في الذات بل المهارات، ولا تخَف من العجز أصلاً طالما الخوف من الشيء يُعجّل به، بل كلّ ما في الأمر أنّ الأمر يدعوك إلى أن تستعمل قوّتك الحقيقية كإنسان.
الإنسان هو الأسلوب كما قال قائل.
قدرات جسدك الكامنة لا محدودة، ودورك في هذه الحياة أن تفسح لجسدك المجال لكي يُعبّر عن نفسه ويطوّر مهاراته بنفسه، إنّه فائق الحساسية والذكاء، فإياك أن تضغطَ عليه بالمفاهيم الخاطئة، والمشاعر الخاطئة، والأدوية الخاطئة، والمقوّيات الخاطئة، والهواجس الخاطئة، التي من شأنها أن تجعل أيّ فشل اعتيادي يبدو كما لو أنّه فشل في الذات. وهذا فخ ينبغي تفاديه.
ذلك أنّ الفشل ليس في الذات، بل المهارات. والمهارات تُكتسب في كلّ الأوقات. فلا تخجل من فشلك إذاً!