العرس والضرب بالكندرة

03 ابريل 2020
+ الخط -
في القسم الثاني من المكالمة الجماعية التي استعضنا بها عن سهرة الإمتاع والمؤانسة، أظهرت أم زاهر رغبتها في أن نعود إلى حكايات "أبو نادر" الشيقة. وقالت: 

- في أول السهرة كنتوا على وشك تحكوا لنا واحدة من حكايات أبو نادر الظريفة، لكن الحديث شد ومط ووصلنا لسيرة الاعتقالات السياسية وسجن تدمر، وهاي السيرة لما بتنفتح أبو زاهر بيحكي فيها ساعتين أو تلاتة من دون ما يتوقف، لأنه متلما بتعرفوا هوي دفع تمن غالي وانسجن في تدمر 16 سنة ظلماً وعدواناً.

قال أبو محمد: أنا بأيد كلام أم زاهر. رجعونا لقصص أبو نادر.

قلت: إذا بتسمحوا لي بدي إحكي لكم وحدة من حكايات أبو نادر القديمة. ذكرت لكم، في سهرة سابقة، إنه "أبو نادر" بيكره الأعراس، ومرة من المرات حضر عرس مليان بالرجال الغليظين اللي هوي بيسميهم (الخشاين)، وعلى قد ما شاف غلاظات وتفاهات وبياخات في العرس، رجع عالبيت، وحلف يمين معظَّم على إنه طول عمره ما عاد يحضر أعراس، وقال لأم نادر: 

- اشهدي علي، هادا آخر عرس بحضره في حياتي، وإذا شي مرة حضرت بيصير من حقك تضربيني بالكندرة. 

هون بقى بيجي دور مجموعة أصدقاء أبو نادر، اللي بيسميهم "شلة فتح الله"، وطبعاً أبو نادر اخترع هادا الإسم بالقياس على اسم "فرقة حسب الله" المصرية.. عناصر الشلة تواعدوا مع بعضهم بالتلفون، والتقوا بمكان قريب من مكتب الزيتون، وتابعوا طريقهم باتجاه بيت أبو نادر. دقوا الباب. وبمجرد ما فتح قالوا له: 

- إلك ولا للديب؟ 

قال: للديب طبعاً. يعني معقول أقول لكم "يخسا الديب" وأسلمكم زمام أمري وتاخدوني على سهرة فيها "أبو براطيم" أو "أبو شروال الوزة" أو "أبو راس البردغاش"؟

ضحك أبو سليم وقال له: بدنا ناخدك على محل ما فيه ولا واحد من هدول.

قال أبو نادر: أنا بعرفك بتحب مرتك كتير يا أبو سليم، وإذا بتطلقها أو هيي بتطلقك يمكن إنته تجن وتسوح في شوارع إدلب متل خالي سعيد.. منشان هيك بدك تحلف لي بالطلاق من أم سليم إنه ما راح يكون في بالسهرة خشاين. 

حلف له أبو سليم بالطلاق بالتلاتة من أم سليم إنه ولا واحد من هدول الخشاين راح يكون موجود. 

وقال له: أصلاً نحن ما راح نسهر في مدينة إدلب. في عندنا سفرة خارج المدينة.  

هون أحس أبو نادر بالعطب أكتر، وعلى الفور تيقظت حواسه، تحسباً من الوقوع في مقلب، وبالمناسبة أبو نادر ما بيحب السفر مع شلة فتح الله خارج المدينة لأنه سبق إنه سافروا مع بعضهم واضطر بوقتها لمجالسة خشاين أسوأ من الخشاين المحلية. ومع ذلك قال لأبو سليم: 

- يا سلام. هلق إنته أدخلت السرور لداخلي. أكيد راح تكون سفرة حلوة ومرتبة، وأنا ما بستبعد تاخدونا على جبل الأربعين، وتخلونا نتعشى عند أبو أرتين، يا إما على بلدة شطحة أو طاحونة الحلاوة. 

قالوا أبو نعيم: لا والله ما حزرت. بصراحة؟ بدنا نروح بمعيتك لعند أخونا أبو عباد في ضيعة "أم زرزور". 

قال أبو نادر: وجب. بالفعل اختيار موفق. هادا أبو عباد رجل كويس، ومحترم، وقليل الكلام، لما رحنا لعنده من سنتين أنا كتير استأنست فيه، صحيح جوز أخته "أبو قدورة" جحش، وبيشيل الكلام وبيرميه من دون ما يفكر بالنتائج، بس أنا فيني أعالجه بحيث نطلع من هناك بأقل الخسائر. وإنتوا كمان بتساعدوني بمعالجته. 

قال أبو فواز: كيف بدك تعالجُه؟ 

قال أبو نادر: إذا قعد في السهرة جنبي أنا كل شوي بغيّر قعدتي، وبنتقل من طرف اليمين لطرف اليسار، ومن اليسار لليمين، لأنه هادا أبو قدورة متعود لما بيحكي إنه ينكش الرجل اللي قاعد جنبه في خاصرتُه، حتى ينبهه إنه راح يحكي كلام مهم، بس هوي غلطان على فكرة. لإنه كلامه كله مهم، وما في داعي للنكش. المهم أنا لما بتنقل من اليمين لليسار بكون عم وَزّعْ النكش على الخاصرتين تبعي بالتساوي، وبيصير توازن، لأنه مو حلوة، ولا لايقة، إنه توجعك خاصرة وحدة وتبقى الخاصرة التانية مرتاحة. على كل حال أنا بتحمل نكش أبو قدورة وإنتوا بتساعدوني بتسكيته.

قال أبو ناصر: إنته غلطان يا أبو نادر، لأنك عم تتخيل السهرة إنها راح تكون في المضافة عند أبو عباد، وإنها سهرة حكي ومزح وهيك شي. هيي لو كانت هيك كنا فعلاً راح نبتلي بغلاظة أبو قدورة.

قال أبو نادر: بالله السهرة مو بالمضافة؟ لكان وين؟

قال أبو ناصر: بصراحة هيي مو سهرة تقليدية. عرس.

قال أبو نادر: الله أكبر. عرس؟ هلق إنته جعلت خافقي ينتعش. استنوا بس شوي، بدي إحكي مع أم نادر كلمتين.

أم نادر تفاجئت لما شافته داخل من برة بسرعة، واستغربت أكتر لما مد إيده على خزانة الأحذية وحمل شحاطة بلاستيكية، وناولها الشحاطة وقال لها:

- شوفي يا ست راسي أم نادر، أنا لما تبت عن حضور الأعراس في المرة السابقة قطعت لك على نفسي عهد. وقلت لك: إذا شي مرة شفتيني رايح إحضر عرس، أو راجع من عرس، بيصير من حقك تضربيني بكندرتك، أو بشحاطة عتيقة. ليكي هلق شلة فتح الله جايين ياخدوني على العرس، وراح أحاول إتهرب. لكن في احتمال ياخدوني معهم إجباري. فمن باب الاحتياط امسكي هالشحاطة واضربيني كم ضرب على نية التيسير! 

كان أبو نادر يمثل هذا المشهد الكوميدي مع زوجته في الداخل بينما كان أفراد شلة فتح الله يكثفون مشاوراتهم في الخارج في سبيل الوصول إلى خطة محكمة يمكنهم بموجبها اصطحابه إلى العرس في قرية أم الزرازير.

قال أبو ماهر: بعد إذنكم، في تصريح لوزير الصحة التركي عن إجراءات جديدة إلها علاقة بمكافحة وباء كورونا. خلونا نوقف الاجتماع على بين ما نسمع التصريح ومنرجع.

قلت: برأيي أن نؤجل اللقاء للغد. قصة أبو نادر في إلها تتمة. ممكن بكرة نكملها إذا لم يغدر بنا الفايروس الحقير.  

دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...