الرجل لا يعيبه شيء!
ما أكثر تكرار عبارة "الرجل لا يعيبه شيء". فكلّما تقدّم رجلٌ لخطبةِ فتاةٍ أو امرأةٍ ورفضته لأسباب مختلفة، قيل لها: "الرجل لا يعيبه شيء"، وهو أمرٌ مفهومٌ في ثقافةٍ اعتبرت أنّ ''الرجل رجل مذ ولدته أمّه"، ورفعت من شأن الذُكران لأنّهم يمثلون "الرجل الكامل" الذي يكتفي بذاته ولا يحتاج إلى أحد يحميه أو ينفق عليه أو... كما رسّخت فكرة أنّ الرجل حرّ في تصرّفاته لا يُحاسب ولا يخضع للرقابة أو المساءلة ''النسائية'' لأنّه "عاقل" يمتلك سلطة اتّخاذ القرار ويعرف ماذا يفعل، وعلى هذا الأساس فإنّه مسؤول عن قراراته وأفعاله.
"الرجل لا يعيبه شيء" تُوجّه أيضًا للشابات والنساء اللواتي يُردن الخروج إلى الفضاء العامّ، طلبًا للعلم، أو رغبةً في العمل، أو حرصًا على ممارسةِ الرياضة أو أنشطة مختلفة، فيقال لهنّ إنّ قلّة خبرتهن بالحياة تجعلهن عرضةً للتحرّش والتنمر والتلاعب بمشاعرهن والتغرير بهن و... كما أنّ الخروج يعرضهن لمخاطر جمّة، لعلّ أبرزها "تشويه السمعة''.
أمّا الرجل، فإنّ سمعته لا تتأثّر بحديث الناس، فمتى أفرط في بناءِ العلاقات الجنسية ونُعت بأنّه ''زير نساء''، قيل: إنّه كثير التجارب وخبير بأمور النساء، وقادر على "الإيقاع بهنّ"، بيسرٍ، بل إنّ هذا السلوك يجعله من الرجال "المرغوب فيهم". ولا يعدم المجتمع الحجج والمبررات التي تجعل الرجل بمنأى عن المحاسبة والإدانة، فيكون النظام الأبوي تبعاً لذلك "رحيماً بالرجال"، يلتمس لهم الأعذار. وفي المقابل تتحدُّ كلَّ القوى من أجل إدانة النساء. فضحكهن في الشارع علامة على استهتارهن بالمعايير والقيم، ومشيتهنّ المتأنيّة في وسط الطريق حجّة على فسادِ أخلاقهن، وعنايتهن بالمظهر واللباس أمارة على "فجورهن"...
"الرجل لا يعيبه شيء"، لا الفقر ولا امتهان مهنة 'وضيعة' ولا الإعاقة ولا العنّة ولا غلظة الطبع... هي عبارة تقال لسدّ المنافذ أمام الفتيات حتى لا يعترضن. ويترتب عن ذلك إجبارهن على قبول الزواج ضمانا "للستر" ثمّ رضوخهن للهيمنة وصبرهن على الظلم والحرمان وتأقلمهن مع ممارسات تنتهك كرامتهن وتذلّهن. أمّا المرأة العاقر أو صاحبة الإعاقة أو سوداء البشرة أو الهزيلة أو... فهي مذمومة و'ناقصة' وشريرة بالطبع ومعيبة ومعنى هذا أنّ العيوب متأصلة فيها.
لا يعدم المجتمع الحجج والمبررات التي تجعل الرجل بمنأى عن المحاسبة والإدانة
"الرجل لا يعيبه شيء"، يفهمها البعض على أنّه معصوم من الخطأ و"كامل الأوصاف"، ولذلك لا يُدان ولا يُحاسب. أمّا المرأة فإنّها تُتمثّل على أنّها الشرّ والفتنة وسبب البلاء والمحنة والنائبة والمصيبة، وقد عكستْ الأمثال هذا التصوّر الذي حكم العلاقات بين الجنسين، فعبّرت عن المخيال الجمعيّ المترسّخ في الخطاب والممارسات والسلوك .
"الرجل لا يعيبه شيء". أمّا المرأة فيعيبها كلّ شيء: تعبيرها عن الرأي والإرادة الذي يُنظر إليه على أنّه "سلاطة لسان''، ودفاعها عن نفسها الذي يعتبر ''قلّة حياء وتطاولا"، وتمسّكها بحقوقها الذي يُفهم على أنّه 'استلاب للغرب''، وجنوحها للتفاوض الذي يُعتبر دليلا على الدهاء والكيد... وتلك "قسمة ضيزى" لأنّ الرجل قد يعيبه سوء الخلق وغلظة الطبع وقلّة المروءة ونكران الجميل وانعدام الشهامة...
غير أنّ عبارة "الرجل لا يعيبه شيء" تعرّضت اليوم للإرباك، فما صارتْ تُقنع أغلب الشابّات والنساء، فصرن يرفضن الزواج من رجلٍ معدمٍ غير قادر على ممارسةِ القوامة المادية، وما عاد بإمكانهن تفهّم الظروف التي جعلت الرجال غير قادرين على تأمين كلّ احتياجات الأسرة بمفردهم، فهم بحاجة إلى الزوجات العاملات. ولذلك صار "الرجل يعيبه مكتوبه'' ("جيبه")، أي عدم قدرته على الامتثال للتوقّعات الجندرية بأن يكون عوّالًا ومنفقًا...
ولكن عندما يستثمر النظام العالمي في بؤس الناس ويحولّهم إلى أدوات عمل ويجرّدهم من إنسانيتهم/نّ، وعندما تطحن المناويل الاقتصادية النيوليبرالية العمّال/ات وتسحق الإمبريالية النساء والرجال، يكون العيب في الأنظمة لا في الناس.