الدعم الغربي لإسرائيل.. أسباب ونتائج
لطالما تساءل الكثير من العرب عن سببِ الدعم غير المشروط الذي تقدّمه معظم الحكومات الغربيّة، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، لإسرائيل. لا شكّ أنّ هذا الدعم ليس مدفوعاً بدوافع أخلاقيّة بحتة كما يتم الترويج لذلك أحياناً. فعلى الرغم من أنّ البعض قد يجادل بأنّ الدعم كان في بدايته لأسبابٍ أخلاقيّةٍ، مثل التعويض عن فظائع الحرب العالميّة الثانية، إلا أنّ استمرار هذا الدعم على مرِّ العقود يرتبط بشكلٍ أكبر، بعوامل اقتصاديّة وجيوسياسيّة.
إذا تعمّقنا قليلاً في هذه المسألة، يتضح أنّ الغرب عامةً، والولايات المتحدة خاصةً، ينظران إلى إسرائيل شريكاً استراتيجيّاً في منطقةِ الشرق الأوسط. وهذه الشراكة تتجاوز القيم المشتركة المزعومة إلى منافع اقتصادية وعسكريّة واضحة. على سبيل المثال، التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل يشمل تطوير أنظمة دفاع متقدّمة مثل "القبّة الحديدية"، والتي لا تحمي إسرائيل فقط، بل تساهم في تعزيز الصناعة العسكريّة الأميركيّة.
وبنظرةٍ أكثر قرباً للجانب الاقتصادي، وبمراجعةٍ علميّة نجد أنّ أكثر من 80% من الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد هم من أميركا وأوروبا، وما يقارب الـ40% ممّن حصدوا هذه الجائزة لديهم صلة ما بالديانة اليهوديّة (أحد الوالدين أو كلاهما يهودي)، ممّا يسلّط الضوء على الدور الكبير الذي يلعبه هؤلاء في مجال الاقتصاد العالمي. هذا لا يعني فقط تميّزهم الأكاديمي، بل أيضاً تأثيرهم العميق في صياغة وتوجيه السياساتِ الاقتصاديّة العالميّة. فنظريّاتهم ومساهماتهم ليست محصورة في الجامعات، بل تنتشر عبر المؤسّسات الماليّة الكبرى وصناديق الاستثمار العالميّة.
هذا الفهم العميق للاقتصاد ساعد على بناءِ إمبراطوريّاتٍ ماليّةٍ ضخمةٍ في معظم الدول الأوروبيّة وأميركا. وهذه الإمبراطوريات لم تقتصر على المجال المالي فحسب، بل امتدّت إلى وسائل الإعلام، التعليم، وحتى التكنولوجيا.
يجب أن يكون هناك جهد منسّق لتقديم وشرح الحقائق للأجيال القادمة ودحض الرواية الغربية
وحدهم صنّاع القرار والنخب الاقتصادية في الغرب يدركون هذه الحقيقة؛ حقيقة النفوذ الاقتصادي، وهو ما يفسّر الدعم غير المشروط الذي أظهرته هذه الحكومات تجاه إسرائيل عقب أحداث السابع من أكتوبر. هذا الدعم لم يكن محصوراً في الكلمات فقط، بل تجسّد في تقديم مساعداتٍ عسكريّة وماديّة ضخمة.
وهنا، لا يمكن إغفال الجانب الأخلاقي لدى الشعوب. فالغربية منها (الشعوب)، ورغم تأثّرها بالآلة الإعلاميّة الضخمة التي تروجّ لإسرائيل ضحيّةً دائمة، لم تتوانَ عن النزول إلى الشوارع احتجاجاً على الاعتداءاتِ الإسرائيليّة. وهذه الاحتجاجات، رغم أنّها قد لا تغيّر السياسات على الفور، إلّا أنّها تعكس ضميراً حيّاً يرفض الظلم.
مثل أيّ مجتمع صحي، يظلّ الاقتصاد محطّ الصراع الرئيسي على كسبِ رضا الجمهور، ولكن يبقى هناك هامش للجانب الأخلاقي. هذا ما تجلّى بشكلٍ واضح في الفوز التاريخي لحزب العمال في بريطانيا، كردّة فعل قاسيّةٍ تجاه السياسات المتطرّفة التي انتهجها المحافظون، حيث كان موقف الحكومة من القضيّة الفلسطينية أحد أسباب هزيمتهم. الشعب البريطاني، في تصويته لحزب العمال، لم يعبّر فقط عن سخطه من السياساتِ الداخليّة، بل أيضاً من الدور الذي لعبته حكومته في دعم إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين.
ربّما كان الشعور بعدالةِ القضيّة الفلسطينيّة هو الدافع الوحيد لنصرةِ جزءٍ من المجتمع الغربي لها، بالإضافة إلى انحياز معظم أبناء المهجر من مختلف الخلفيّات بحكم معرفتهم بطبيعة الصراع. لكن يبقى التأثير الحقيقي في صنّاع القرار في الغرب، وهذا يتطلّب توحيد الجهود تحت مظلّةٍ واحدةٍ تعرض مطالبها بشكل واضح وتضمن التزام الفئات الداعمة بها.
من الضروري أيضاً مواصلة العمل على مختلف الأصعدة لتعليم وتوعيّة الجيل القادم بعدالةِ القضيّة الفلسطينيّة، لمواجهةِ الدعاية التي بدأت بها الأنظمة الغربية بعد أحداث السابع من أكتوبر. هذه الدعاية التي تهدف إلى تشويه تاريخ الصراع وتقديم روايةٍ مُنحازةٍ تهدف إلى كسب تعاطف الجيل القادم مع إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين. من هنا، يجب أن يكون هناك جهد منسّق لتقديم وشرح الحقائق للأجيال القادمة ودحض الرواية الغربية.
خلاصة القول: بالعلم ثمّ المزيد من العلم، والعمل ثمّ المزيد من العمل المنظّم، يمكننا أن نصبح ندًّا لهم.