حسن نصر الله أخطأ في سورية وأصاب في فلسطين
لا يختلف اثنان أن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، رحل بطلاً وشهيداً دفاعاً عن غزة ونصرةً لأهل فلسطين. لم يكن نصر الله مجبراً على هذا الطريق، بل اختاره بملء إرادته وتصميمه، مؤمناً بحق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
في الوقت الذي اكتفت فيه الأنظمة العربية بالإدانات والشجب، كان بإمكان نصر الله أن يمطرنا خطابات وبيانات مماثلة، ولكنه بدلاً من ذلك اختار الانخراط بشكل فعّال وفتح جبهة إسناد دعماً لفلسطين، مؤكداً أن فلسطين كانت دائماً البوصلة التي لا يحيد عنها. لم يألف مشاهد القتل اليومي والدمار كما ألفناها نحن.
لقد رفض نصر الله الاكتفاء بالمشاهدة من بعيد، كما رفض أن ينفصل عن القضية الفلسطينية التي لطالما كانت المحور الأساسي لمقاومته. وقد عبّر عن مواقفه بحزم، مشدداً على ضرورة الوقوف بجانب أهل غزة وأطفالها الذين واجهوا الويلات والموت يومياً. حتى في خطبه الأخيرة، ناشد العرب للوقوف مع فلسطين، لكن دعواته لم تجد الصدى المطلوب في العالم العربي.
ورغم تلك المواقف البطولية، لا يمكن إغفال الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه حزب الله عندما قرر التدخل في الحرب السورية. في معركة القصير تحديداً، كانت مشاركته المعلنة في الصراع السوري بمثابة تحول سلبي أثّر كثيراً على شعبيته في العالم العربي. هذا التدخل قوبل بانتقادات حادة، إذ اعتبر الكثيرون أن حزب الله انحرف عن دوره الطبيعي مقاوماً للاحتلال الإسرائيلي، ليصبح طرفاً في صراع داخلي أدى إلى مآسٍ وكوارث إنسانية للسوريين. هذا الخطأ جعل الحزب يفقد كثيراً من الدعم الذي كان يتمتع به في المنطقة.
يمكن إغفال الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه حزب الله عندما قرر التدخل في الحرب السورية. في معركة القصير تحديداً، كانت مشاركته المعلنة في الصراع السوري بمثابة تحول سلبي أثّر كثيراً على شعبيته في العالم العربي
لاحقاً، أعاد حزب الله توجيه بوصلته نحو القدس عبر التركيز مجدداً على القضية الفلسطينية، إلا أن تلك الجهود جاءت متأخرة في نظر البعض حيث كان الحزب قد انكشف للكيان بالكامل تقريباً، فقد كشفت الأحداث الأخيرة عن تعرض الحزب للاختراق على مستويات عدة، سواء من خلال أفراد (خيانات فردية) أو عبر التكنولوجيا المتطورة التي استخدمتها إسرائيل للتجسس على قياداته.
في مواقفه الأخيرة، كان جلياً أن نصر الله اختار الوقوف بحزم بجانب فلسطين، حتى وإن كان ذلك مخالفاً لتوصيات الحليف الإيراني الذي ربما كان يفضل نهجاً أكثر توازناً واعتدالاً لتجنب تصعيد المواجهة مع إسرائيل. ورغم هذا الاختلاف، حافظ نصر الله على ثباته ودعمه المستمر للمقاومة الفلسطينية ورفضه الوقوف متفرجاً.
مع استشهاد نصر الله، يواجه حزب الله تحديات كبيرة في المستقبل. على القيادة الجديدة العمل على إصلاح الاختراقات التي تعرّض لها الحزب بشكل عاجل، وتبني تقنيات ووسائل تكنولوجية جديدة قادرة على مجاراة ما يمتلكه الاحتلال. كما سيكون من الضروري إعادة تحديد الهوية السياسية للحزب بشكل يعزز من صبغته العربية ويقلل من الاعتماد المفرط على النهج الإيراني، مع الحفاظ على التزامه بالمقاومة وقضايا الحق والعدالة.