الخوذ البيضاء"... أصحاب الأيادي الناصعة
ثمّة حملات مستعرة هذه الأيام لتشويه سمعة منظمة الدفاع المدني المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، لذا لا بد من بدء هذا المقال بالتعريف بها. فوفقاً لموقعها الرسمي، هي منظمة إنسانية تعمل عمل الدفاع المدني، كرّست عملها منذ تأسيسها أواخر عام 2012 لدعم التجمعات المدنية للسوريين في مناطق مختلفة، مثل الإنقاذ من نتائج القصف والتدمير ورفع الأنقاض، والعمل إلى حين استعادة المناطق المدّمَرة إيقاع الحياة ونبضها من جديد.
تتكون المنظمة من متطوعين بلغ عددهم نحو 3 آلاف متطوّع، فهي تضمّ بين طياتها رجال الإطفاء والمهندسين والأطباء والصيادلة وأصحاب المهن من شتى المجالات، التقوا على هدفٍ واحد، هو "إنقاذ الناس"، متمثلين آية من القرآن الكريم شعاراً لهم "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
من هذا التعريف الموجز لهم، يتبيّن لنا حجم المسؤولية التي تبنوها وأخذوها على عاتقهم، فهم المقاتلون الأشدّاء في صراعهم مع التحديات والأهوال، وهم العدّاؤون السبّاقون للوصول إلى المناطق التي تحتاجهم.
لهؤلاء الأبطال إسهامات كبيرة وكثيرة في إنقاذ العديد من الأرواح في لحظات ما بعد القصف من قبل طائرات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين... ويكفي عمل بحث بسيط على محرّكات البحث لنشاهد آلاف الفيديوهات والصور التي توثّق إنجازاتهم في إنقاذ الأرواح والممتلكات.
هم المقاتلون الأشدّاء في صراعهم مع التحديات والأهوال، وهم العدّاؤون السباقون للوصول إلى المناطق التي تحتاجهم
أيضاً، كان لهم خلال الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، اليد الطولى في عمليات الإنقاذ؛ إذ كانت الأيام الأولى صدمة كبيرة للجميع، حين أخذت الحكومة التركية قرار تأخير فتح المعابر الحدودية ثلاثة أيام متتالية، علماً أنّ هذه المعابر هي المتنفس الوحيد للسوريين، ومنعت أيضاً إدخال المعدات والآليات الثقيلة. وهنا لم تتوان فرق "الخوذ البيضاء" عن تلبية النداء الإنساني بما لديها من معدات، والتي لم تكن كافية، وغير جاهزة أو مؤهلة أساساً لكارثة كهذه بطبيعة الحال. ومع هذا بادرت بالانتشار في أغلب المناطق التي سُجّلت فيها أضرار شديدة بالمباني السكنية والتجمعات البشرية؛ ولم تقف متفرجة مكتوفة الأيدي عند عدم تحرّك الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للاستجابة الأولية من جهة، وللضغط على الحكومة التركية لإدخال ما يلزم إدخاله من جهة ثانية، فبادر متطوّعوها للبحث والإنقاذ بالأدوات الأولية كالرفش والإزميل والمطارق البسيطة، وبأيديهم العارية إن لزم.
دأب النظام السوري في فترات عدّة على تشويه صورة هذه المؤسسة السورية الإنسانية الجامعة، دبلوماسياً وإعلامياً وحتى درامياً، عبر مسلسلات كوميدية وبرامج ساخرة؛ طبعاً الأسباب لا تخفى على أحد، فهي كثيرة، وليس أبرزها تعرية المنظمة لهذا النظام أمام المجتمع الدولي وإظهار فداحة جرمه، عبر توثيقها عمليات الإنقاذ، والتي لا تخلو من مئات المشاهد المؤثرة، مشاهد شاهدها كلّ العالم؛ كما اتهم النظام الأسدي متطوعيها مراراً بأنهم أدوات في أيدي الدول المانحة والمعادية له في حربه على السوريين، وليس آخرها اعتبارهم أعضاء بجماعات إرهابية تتبع لمتشدّدين متسترين بزي إنساني.
استحقّت هذه المنظمة استحسان المجتمع الدولي في الكثير من المحافل والتظاهرات العالمية، كما جرى ترشيحها لـ"جائزة نوبل" وحصلت على "جائزة نوبل البديلة" من المنظمة السويدية الخاصة "رايت لايفليهود" (Right Livelihood) السنوية لحقوق الإنسان.
ومن أجمل ما قيل في متطوعيها إنهم "ملائكة رحمة بزي البشر"، وإنهم "أصحاب الأيادي والقلوب البيضاء"، وإنهم "أكثر الناس شجاعة، وهم بمثابة بارقة أمل في لحظات اليأس"، و"شعاع النور تحت الركام".