الخطر القادم إلى يوسف النصيري
ليس ضرباً من التنجيم، بل ناقوس تنبيه إلى خطر قد يعكّر صفو ألحان التألق التي يعزفها النجم المغربي يوسف النصيري منذ فترة ليست بالقصيرة في الملاعب الإسبانية.
لماذا يجب قرع أجراس الخطر؟ لأن المغاربة تعبوا من الانطفاء المفاجئ لمواهب كان الرهان على تألقها كبيراً. ولا داعي لفتح الجراح واجترار أسماء الجميع يعلمها.
حتى الآن، يواصل النصيري مسيرة النضج من فاس إلى إشبيلية مروراً بملقا وليغانيس بهدوء وأناة لم يعهد مثلها في نجم مغربي منذ سنوات طويلة.
الهدوء يخفف عنه الضغط الذي أبان عن قدرة كبيرة على تحمله، وخصوصاً بعد الخيبات التي مني بها المنتخب المغربي في مونديال روسيا وكأس أمم أفريقيا في مصر. لكن النصيري حفظ ماء الوجه، وتلقى دفعة معنوية كبيرة في لقاء إسبانيا في المونديال، وأداؤه في تلك المباراة المحمومة سيظل خالداً في ذاكرة المغاربة.
الأندية التي تنافس على الألقاب لا تعترف إلا باللاعب الجاهز ونادرا ما تحظى بمدرب يستطيع تحمل ضغط المسؤولين والجماهير والصبر على لاعب في طور الاختمار
لا يمكن أيضاً فصل المستويات التي يقدمها النصيري مع إشبيلية عن التجربة التي راكمها في ليغانيس. وحتى الآن تبدو قراراته في سوق الانتقالات موفقة جداً. معلوم أن الانتقال إلى دوري كبير من بوابة فريق "صغير" يسهل مهمة الاندماج ويريح من الضغط الذي يسلط على لاعبي الفرق الكبرى.
الأندية التي تنافس على الألقاب لا تعترف إلا باللاعب الجاهز، ونادراً ما تحظى بمدرب يستطيع تحمّل ضغط المسؤولين والجماهير والصبر على لاعب في طور الاختمار. ربما هذا ما وقع لأشرف حكيمي في ريال مدريد قبل أن ينتقل إلى فضاء دورتموند الرحب الشهير بثقته في الشباب الواعد.
يستحق النصيري التهنئة بنجاحه المبهر في اختبار اختيار الفريق الأنسب لقدراته وموهبته حتى الآن. هذا الامتحان العويص الذي قضى الإخفاق فيه على مواهب مغربية كان يتنبأ لها بمستقبل زاهر. ويمكن العودة هنا إلى التصريحات المؤلمة لأسامة السعيدي عن ندمه على الانتقال إلى ليفربول. هل كان السعيدي سيلقى المصير نفسه لو كانت الوجهة فريقاً آخر بسقف طموحات وضغط أقل من الريدز؟ لا فائدة من السؤال الآن والمغاربة يقولون: "البكاء من وراء الميت خسارة". في المقابل، هناك أخطار، وعلى النصيري ومحيطه العمل بجد وروية لتفاديها.
واضح أن الأنظار ستتجه أكثر إلى رأس حربة إشبيلية إذا واصل عزفه الجميل هذا العام. وأمامه فرصة ذهبية لزيادة قيمته السوقية ودفع أندية أكثر قوة من الاهتمام بخدماته. هنا، سيجد نفسه مرة أخرى أمام الامتحان نفسه، وعليه هو ومدير أعماله أن يحسنا الاختيار، وأن يكون الفريق الذي يقدم فرصاً أفضل للتطور، بما في ذلك إشبيلية، مقدماً على أي زيادة في العائدات المالية.
الأمل كبير في أن يواصل النصيري العمل على تطوير مؤهلاته دون الانجرار وراء أي مقارنات. النصيري هو النصيري ولن يشبه أحداً.
من المستحب أيضاً أن يبقى رأسه بين كتفيه وأقدامه على الأرض لكي لا يدخل في دوامة الغرور أو الاعتداد بالنجاح الذي سبّب تشتيت تركيز لاعبين مغاربة كثيرين وانتهى بهم الأمر منسيين تفتك بهم الحسرة. وربما من حسن الحظ أن الإعلام المغربي لا يطرب حتى الآن بإبداعات النصيري ولا يخصص له من المتابعة ما يستحق فعلاً.
ومن دواعي الاطمئنان أيضاً، تعليق أحد أصدقاء النصيري على منشور في فيسبوك، يثني عليه وعلى موهبته، مؤكداً أنه "ظل في صباغته"، كما يقال في المغرب دائماً، ولم يتغير. هذا حصن حصين من الغرور واستعجال قطف الثمار وجني الأموال.
الخطر الأخير قد لا يعني النصيري في شيء بالنظر إلى شهادات كثيرة عن سلوكه واحترافيته. لكن لا مناص من التحذير منه، لأنه أحرق الكثير من المواهب وجعلها "تعلق الحذاء" قبل الأوان. إنها الشيشة. لا مزيد من الشرح في هذا الباب، لأن شرح الواضحات من المفضحات.
قد يتساءل قائل: لماذا النصيري؟ لأنه قصة نجاح ملهمة، وما يحدق به من أخطار ليس بعيداً عن باقي اللاعبين الصاعدين.