الخدمة والعطاء.. جوهر وجود الإنسان
تمت دعوتي من قبل عائلة النائب الأسبق في البرلمان الأردني، الدكتورة مريم اللوزي، رحمها الله، إلى حضور حفل افتتاح لمركز حاسوب خصّص باسمها، تكريماً لها في إحدى المدارس الحكومية العريقة في المنطقة التي نسكن بها، أنا وعائلة المرحومة.
إلى هنا، الحدث عادي جداً، ولكوني صحافية فعادة ما أحضر عشرات الفعاليات بشكل أسبوعي، ولكنني لن أبالغ إن قلت: إنّ هذا الحدث ترك أثراً مهيباً في نفسي، ابتداءً من التكريم الذي كان في مسرح المدرسة حيث قدمت الطالبات والهيئة الإدارية فيديو قصيراً عن الراحلة، اختصر مسيرتها التربوية، والتي امتدّت زهاء ربع قرن، قدمت خلالها قصص نجاح لمدارس أشرفت على إدارتها وحوّلتها إلى حالات تربوية استثنائية.
وخلال الحفل، تمّ إطلاق مشروع خيري (كسوتهم علينا) باسم المرحومة الدكتورة اللوزي، نظراً لعطائها ومبادراتها المجتمعية المعروفة وعملها الدؤوب في التكافل الاجتماعي لسكان المنطقة التي سكنت فيها، والتي فازت بها فوزاً ساحقاً حين مثلت أبناء بلدتها في مقعدها البرلماني آنذاك.
في الواقع، إنّ الخدمة لا تنحصر في طريقة خاصة أو نهج محدّد، ولا تقتصر على جماعة أو فئة بعينها. فالخدمة طريق البذل والعطاء، والسير في هذا الطريق يساعدنا على كسب قدرات وقابليات وخصائص سامية إذا ما اتسم سلوكنا بالتواضع والإخلاص. إنه أسلوب حياة يتخطّى المسؤولية المجتمعية والانتماء والمواطنة إلى ما هو أسمى من ذلك بكثير، بحيث تطلق الخدمة تلك القدرات اللامحدودة الكامنة في جوهر الإنسان وحقيقتها، بل وتصقلها.
نجاح المجتمعات وتقدمها منوطان بعمل جميع أفرادها، في توافق وتآلف وانسجام
وعندما رأيت الدموع تنهمر في كافة أرجاء القاعة، ابتداءً من مندوبة مدير التربية ومديرة المدرسة والمعلمات والطالبات والمشاركين والمشاركات في الاحتفال جميعهم/نّ، أدركت ما معنى أن يترك الإنسان بصمة في حياته. فالمجتمع الإنساني أشبه بجسم الإنسان، لكلّ خلية وعصب وعضو في جسم الإنسان دور يؤديه، وإذا عمل الجميع معاً في تناغم وانسجام تمتّع هذا الجسم بالصحة والعافية؛ ونجاح المجتمعات وتقدمها منوطان بعمل جميع أفرادها، في توافق وتآلف وانسجام. وهذا ما يجسّد القول الشهير: "الإنسان اليوم هو الّذي يقوم على خدمة من على الأرض كلّها".
فالمرء أينما أقام أو سكن، عليه أن يسعى لتحسين جوانب الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة لمن حوله من منطلق وعيه بدوره ومسؤوليّته في المساهمة في الارتقاء بمجتمعه. فالعمل الاجتماعيّ يقوم على مبدأ المشاركة العموميّة وانخراط عددٍ متنامٍ من السّكّان في عمليّة تعلُّمٍ جماعيّة ميدانها الخدمة انطلاقاً من فهم الإنسان لجوهر وجوده.
وهنا تتجسد روح الخدمة المتفانية، فيعمل المرء بفاعلية في تنمية مجتمعه؛ ويساهم في زيادة التقارب المجتمعي، ويعزّز الانسجام بين أهل الحي والمنطقة، يشارك في مشاريع البيئة المحلية، يعمل على تحسين مرافق العيش، كما يساهم في تقديم برامج التربية والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وهذا ما جسدته بالفعل الدكتورة مريم اللوزي رحمها الله. فما أجمل أن تكون الخدمة جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وما أعظم أن نسير معاً على طريق الخدمة، نشارك الآخرين، وندعوهم للعمل معاً.