الاستعمار الفرنسي... ساطور وسطور
لعب المستعمر الفرنسي داخل مستعمراته الافريقية أدواراً متعددة في تفكيك النسيج الاجتماعي وصناعة طغاة يدينون له بالطاعة والولاء المطلق..
عانت البلدان الافريقية الجوع والجهل والتهميش بسبب تدخلات الإليزيه غير الملتزمة بأي من الأعراف الدولية، ذهبت فرنسا في تدخلاتها في المنطقة الافريقية إلى اللا معقول، فزورت الانتخابات لصالح عملائها، واغتالت مسؤولين لم يخضعوا لتعليماتها، حكمت لقرون وهي تنهب موارد هذه الأوطان، عاثت في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية الفساد، أنهكت الحرث والنسل، بالرغم من تمرد بعض الحكام للسياسات الفرنسية، ظلّت الصورة قاتمة وغير واضحة، ثارت الشعوب ضد العنهجية الفرنسية ومواجهتها بالحشود الرافضة للوجود الفرنسي، تنوع هذا الوجود بعضه ممثلاً في قواعد تتخذ من عواصم أفريقية مقرات لها، وبعضها الآخر مختصراً على التمثيل الدبلوماسي الذي يعتبر السفير فيه يتدخل في كل مفاصل السيادة في مستعمرات فرنسا ما وراء البحار.
اليوم وبعد أن طالت الخيبات في التغيير من قبل الحكام المُؤدلجين بالأفكار الاستعمارية الفرنسية، فشلت الأنظمة في توفير أبسط مقومات الحياة لشعوبها، الكهرباء التعليم والعدل، إضافة إلى البنى التحتية، وأخيرا تداول الحكم بآلياته الصحيحة.
لكن القارة تعيش أزمة الوعي في التغيير، وتعاني كوابيس الأيادي الخارجية واملاءاتها الجاثمة فوق الصدور، ما انفكت تخرج من أزمة إلا زادتها أزمات أخرى، أنظمة تسلّق حكامها عُروش تلك البلدان كوُكلاء لسادتهم يطبقون كل التعليمات وزيادة "شوية قمع وبلطجة".
حاولت تلك المراكز أن تلعب في تغير نمط التفكير العام عند الإنسان الافريقي
استعمار ثقافي
لعبت باريس عدداً من الأدوار في توسيع رقع المجالات الثقافية بتشييد المراكز ودور النشر واحتواء أفكار صَنَعت أقلامها وعقول تمكنت من تغيير نمط تفكيرها، كل هذا رسم خارطة لاستلاب فرنسا حق التفكير من شعوب القارة وأبناء جلدتها، فالكثير منهم أوقعتهم الاغراءت وبيع الزمن بأن يؤلفوا ما تريده أنظمة فرنسا، حاولت تلك المراكز أن تلعب في تغير نمط التفكير العام عند الإنسان الافريقي، فطبعت المقررات في المؤسسات التعليمية بجميع اختلافاتها، وفي كل تلك المحطات صارت الفرنسية لغة التواصل الوحيدة بين المكونات الأفريقية والمتفردة، فخرّجت المدرسة الفرنسية انساناً خاوياً كلياً من الهوية والانتماء لوطنه، فصار هذا المثقف الهاوي لكل ما هو فرنسي وناكراً بكل ما هو وطني وضربه عرض الحائط.
العربية في غياهب النسيان
حارب المستعمر اللغة العربية ورسم لهذا مخططات بطمس الثقافة والتاريخ للشعوب ذات الانتماء الإسلامي والشارع العربي، فارتكتب فرنسا مجازر ومذابح بدأت بمراكز تعليم القرآن وهدم المساجد ومؤسسات تعليم الدين وحلقات تدريس المتون الإسلامية، فقتلت في تشاد العلماء ومهدت لهذه الجريمة وحاولت طمس الأدلة بكتابات أرادت وما زالت تريد ليّ عنق تلك الجرائم.
بين فرنسا والمستعمرات.. طلاق بائن!
ختمت تلك المستعمرات مساراتها المتعثرة مع الامتداد الفرنسي بالرفض، وبدأت تنتشر في شعوبها موجة لنمط تفكير غير متوقع، فبدأت بلدان في غرب أفريقيا وشمالها وجنوبها بمحاربة التمثيل الفرنسي، أنهت مالي أي مسارات لأي علاقة تربطها مع باريس، حكومة وشعباً خرج في مواجهة الإنسان الفرنسي الذي يتجول في المنطقة الأفريقية كأنه صاحب حق، خرجت فرنسا من مالي مهزومة ومهزوزة، حاصرت الشارع الرافض لها وحكومته بالعقوبات وقطع العلاقات وأي تبادل بين البلدين، لم تصمت تلك الأصوات ولم تهدأ أو تنكسر لأي تهديد، اليوم تغادر مالي مجموعة دول الساحل، خابت ظنون الإليزيه في عملائه بأن يكسروا هيبة الشعب المالي وإرادته، فشلت كل المحاولات، اليوم الشعب المالي يعيش مرتاح البال، صافي الذهن.