وباء كورونا وحرب الجدران السياسية

03 ابريل 2020
+ الخط -
بدأت تنفلت في هذا التوقيت الكثير من المعلومات كالسيل الجارف عن حقيقة ما وصلت إليه البشرية المضطربة في زمن كورونا. سُحقت قوانين التراتبية. نزلت بلدان بما تملك من قوة سياسية واقتصادية واجتماعية إلى التذيل، حكومات ضُربت كرامتها وبضاعتها من الديمقراطية على جدران الوهم. انهار عالم الصف الأول. كوفيد 19 هدّ أركان الواقع المتخيل برمزيته السحرية. مدن كانت في الأمس القريب واجهة سياحية وقبلة في وجهة السُياح، الآن أصبحت كأنها مدن أشباح.

لا أسواق، لا طائرات، لا حركة مرور، لا صفوف دراسية، لا انتخابات. العالم بكل ما يملك صار متشابها. الاقتصاد والحروب والصراعات الحزبية والسياسية والعسكرية والاحتجاجات والبورصات والصناعة والتجارة، كل شيء تحوَّل إلى مستحيل.

أصبح الكل يستنجد بالكل، جميع الشرائح والطبقات حجرت نفسها، وبدأت تتبع التعليمات في عدم انتشار العدوى. أصبح الإنسان الوحيد الذي يقف له من حوله احتراماً وتقديراً، حكوماتٍ وشعوباً وسياسيين ورجال أعمال ورياضيين: الطبيب. الإنسان الذي يكافح لكي يعيش الآخر المجهول. نزل الأطباء منزلة الأنبياء، طال الصراخ والنواح، رفعت الأصوات، حُوّلت الفنادق إلى مستشفيات، والمستشفيات إلى ساحات يصارع فيها مرضى كورونا الموت والحياة. 

حيّر الوباء دولا وقارات، وبرزت الإنسانية في حقيقتها. خرجت الصين بمناطقها كأنها منتصرة على عدو بحجم طاقتها وثقلها الاقتصادي. بدأ العالم يتقرب من الصين التي ينظر إليها سابقا بأنها سبب انتشار الوباء. اليوم الوضع مختلف تماماً، إذْ يعجز الخبراء والمحللون عن قراءة كف مصير المعمورة في مواجهة  كوفيد ـ 19.

دخلت بلدان العالم إلى الشهر الرابع في صراع مع أصعب فصيلة من جنس الأوبئة المستعصية. منظمة الصحة العالمية ومنذ إعلان الصين المرض أصبحت تسعى إلى المنظمة لمستجدات ما أصاب الناس. أعلن خبراء التعليمات الأولية ضرورة النظافة والابتعاد عن التجمعات. فرضت الكثير من الإجراءات الاحترازية، أُغلقت المدارس وعلقت دور العبادة، تبعتها إيقاف حركة الحياة، ودخلت مدن بأكملها حظر تجوال، لا داخل ولا خارج.

ومع ذلك، لم يتوقف المرض وما زال يتمدد في اختراقه الحدود والأجواء، فهل أراد كورونا أن يقلب القوانين الظالمة للطبقات؟ هل نرى ميلاد قوى أخرى لم تكن في الحسبان؟ هل وصلنا إلى موت الرأسمالية واندثار صراع الأقطاب؟ ومع كل هذا الهرج والمرج أين تقف الدول الفقيرة وشعوبها التي تعيش في زمن السلم والأمن بدون أي شيء يؤمن لها حياة نصف كريمة؟ وهل تشهد أفريقيا التي سلمت مصيرها للقدر تحولات في تصعيد المرحلة التي يريد أن يصل إليها الوباء.
DCDA8F68-FEF8-4439-9CD6-C2BDBF199BE7
أبو بكر عبد السلام

إعلامي وناشط في الشأن التشادي والأفريقي، وسكرتير تحرير صحيفة "انجمينا الجديدة".