الإنسانية تُدفن مع ركام الزلزال!
لم يكتفِ الزلزال المدمّر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري بتدمير الأحياء والمدن وتشريد الناس وقتل وإصابة الآلاف، بل، أيضاً، دفن معه أغلى ما يمكن أن يمتلكه الإنسان، أي الإنسانية.
فبعد مرور سبعة أيام على الزلزال، أقفُ حائرة، ولا أجد الكلمات التي تصف هول الصدمة التي أصبتُ بها، ليس فقط من حجم الدمار والكارثة التي حلّت بالشعبين التركي والسوري، بل أيضاً، من حجم التخاذل وسقوط معايير الإنسانية لدى الشعوب، سواء العربية أو غيرها.
أيّها السادة، أيتّها الشعوب.. الإنسانية قبل أيّ شيء، قبل الدين، الطائفة، السياسة والأحزاب! لم أكن أتوقّع يوماً أنّ البعض من شعوبنا توّاق للسلطة وعاشق للانتقام ورائحة الدم إلى هذا الحد، لم أتوقّع أنّ هذا البعض قد أصبح بلا رحمة، بلا شفقة، ولم أكن أتخيّل يوماً أنّ فهمنا الخاطئ للدين يقف عائقاً أمام إنسانيتنا.
بالرغم من الدمار الشامل الذي حلّ في الشمال السوري، والناجين الذين باتوا بلا مسكن، ولا مأمن، ولا مأكل، ولا مشرب، تحت مرأى العالمين العربي والدولي، اللذين يصرفان مليارات الدولارات في اليمن والعراق وأوكرانيا لتدمير المدن وتشريد الناس، لم يُحرّكا ساكناً لنجدة الشعب السوري (الذي خرج منذ 12 عاماً مطالباً بالحرية والديمقراطية) بحجة قانون العقوبات (قيصر)، حيث تُرك هذا الشعب وحيداً يصارع الكوارث الطبيعية وحده، بلا شفقة ورحمة، هذا بالنسبة للمناطق المحرّرة. أما فيما يخص المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، فقد استغلت بعض الدول العربية كارثة الزلزال وحجة الإنسانية والتعاون ومدّ يد العون، لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام، متغاضية عن الأشلاء والجثث واليتامى والمشرّدين والركام وكلّ ما جرى.
استغلت بعض الدول العربية كارثة الزلزال وحجة الإنسانية والتعاون ومدّ يد العون، لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري
أما بالنسبة لتركيا المتضرّر الأكبر من الزلزال، فقد سارع البعض للشماتة بالشعب التركي، وربط ما حصل بقضية جامع آيا صوفيا، أو العودة إلى الزمن الماضي منذ آلاف السنين، أي الحقبة العثمانية، واعتبار ما جرى عقاباً ربّانياً، دون أي شعور بالتعاطف مع هذا الشعب المدمّر نفسياً، والذي توقفت عنده الحياة لحظة حدوث الزلزال.
ما جرى جعلني أفكّر مليّاً في كلّ ما يُحيط بنا، كان من المفترض أن يوحّد هذا الزلزال كلّ الشعوب، أن ينهض الجميع لمساعدة المنكوبين ومدّ يد العون لهم، بغضّ النظر عن عرقهم وديانتهم! ولكن، لم يكن المشهد كما توّقعته ورسمته في مخيلتي، لذا رحت أتساءل: هل بتنا نعيش في غابة؟ لا، ربما الحيوانات أحنّ من بعض البشر. إذاً في أي مكان نعيش؟ وأيُّ نوع من البشر نُعاشر؟ هل هم بشر حقّاً أم وحوش على هيئة بشر؟
بات الناس يفرّقون حتى في تقديم المساعدات والمعونات للمنكوبين وفق ديانتهم وليس حاجتهم! المسلمون يساعدون المسلمين فقط! وتوزّع وفق الأسماء والطوائف! والمسيحيون يتصرّفون بالطريقة نفسها! وهنا بات السؤال مشروعاً: هل الأديان أتت لتُفرّق الشعوب؟ أم أنّنا بعيدون عن المفهوم الديني الصحيح والقيم الدينية الحقيقية؟
وهنا اقتنعتُ بما قاله لي والدي منذ فترة ليست بعيدة؛ إنّ أكثر ما نحتاج إليه اليوم في مجتمعاتنا أن نتعلّم "فقه الحياة"!