اكسر قدمك كي تقرأ مارسيل بروست
ربما كان العام الذي سمعت فيه عن مارسيل بروست هو عام 2013، حين قال لي صديقي إنّ كاتباً ما يشبه في طريقة كتابته مارسيل بروست.
وليس من السهل معرفة كيف يكتب مارسيل بروست، وهو الكاتب والروائي الذي كتب أطول رواية في العالم، وهي "البحث عن الزمن المفقود".
ورغم أنّ مارسيل بروست كتب رواية غيرها بعنوان "الملذات والأيام" وكتب أخرى ومجموعة قصصية وكتاباً عن متعة القراءة، إلا أنّ المهتمين بالأدب، وبمجرّد أن يُذكر اسمه، فإنّ أذهانهم لا تجد طريقاً آخر غير التفكير في "البحث عن الزمن المفقود".
كثير من الذين يظنون أنّ "الحرب والسلام" للكاتب الروسي، ليو تولستوي، هي أطول رواية في العالم، ربما لم يصادفهم الحظ في التعرّف أو قراءة "البحث عن الزمن المفقود" أو حتى تصفّح الرواية.
وفي اعتقادي أنّ من قرأ "البحث عن الزمن المفقود" في العالم هم قلائل، فالمجلدات السبعة التي كتبها مارسيل بخط صغير جدا أو كما تمّت طباعتها قد تتطلّب شهوراً عدّة لأي قارئ قرّر أن يقرأ تلك الرواية، أو لنقل تلك الحياة الطويلة والذكريات الدفينة والخيالات العميقة والتحليل النفسي والرؤية المتكاملة عن الحياة كما عاشها بروست.
كلّما قرّرت قراءة تلك الكتب وقفت أمام صعوبة البدء، وبعد سنوات فتحت جهازي التابلت، حصلت على الرواية من أحد المواقع المتاحة على الإنترنت، ثم بعد أيام بدأت قراءة أولى صفحاتها من الجزء الأول "جهة منازل سوان".
أجلت مشروع كسر القدم إلى سن الشيخوخة، عندها ولحادث ما، قد أقرأ بروست لتمضية الوقت الطويل في انتظار الموت
توقفت بعد أيام قليلة، شعرت بصعوبة الاستمرار، ليس لخلو السيرة الذاتية أو الرواية من العناصر الجمالية والفكرية والفنية، بل لصعوبة الانتهاء من هذا المشروع الضخم.
المشكلة لديّ تكمن في الكتاب الإلكتروني، فهو لا يشجع كثيراِ على قراءة الكتب، وإنه لا مناص لشخص ما، قرّر أن يسير في طريق مارسيل بروست الطويل من أن يشتري النسخة الورقية من الكتاب.
اشتريت النسخة الورقية من الكتاب، ها أنا الآن أمام سبعة مجلدات كبيرة وضخمة ولا نهائية، لكن بعد شهر توقفت عن القراءة بمجرّد انتهائي من قراءة الجزء الأول، فكرت في أنني أحتاج لسبعة أشهر مستمرة لقراءة هذه الرواية التي قد تبدو أنها لا تنتهي، فلا وقتي يسعفني لعمل ذلك، وليس في نيتي كسر قدمي، لأنّ الألمان يقولون "إن كنت تريد قراءة مارسيل بروست فعليك أن تكسر قدمك".
ولهذا أجلت مشروع كسر القدم إلى سن الشيخوخة، عندها ولحادث ما، قد أقرأ بروست لتمضية الوقت الطويل في انتظار الموت.
كان الجزء الأول يكفي لمعرفة كيف يكتب بروست، وما هي قضاياه، وكيف يستعيد الزمن الطويل ببطء نادر، وكيف يتمكن من كتابة ذلك النوع من الجمل الطويلة جداً، والتي لا تجعلك تقطع أنفاسك فحسب، بل تفقد تركيزك الشديد أيضا.
مضت الأيام وعثرت على كتاب بعنوان "كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه" للكاتب الفرنسي بيير بايار، هذا الكتاب أزال من داخلي الشعور بالذنب تجاه الكتب التي لم أقرأها، والتي لم تكن لديّ القدرة أو الوقت الكافي لقراءتها.
وكان موضوع الكتاب الأساسي، هو كيف يمكن أن تخوض جدالاً محتدما أو تتحدث كمختص عن الكثير من الأعمال الأدبية أو الكتب التي لم تقرأها.
هل ذلك ممكن؟
هذا ما يحاول أن يقوله لنا بيير بايار في أكثر من مئتي صفحة من ذلك الكتاب المهم، والذي قد أكتب عنه في وقت مقبل.