أوروبا واللاجئون… من أحق بالعتاب؟!

21 يوليو 2023
+ الخط -

تردّدتُ كثيراً في الكتابة حول موضوع الطريقة التي استقبلت بها أوروبا اللاجئين الأوكرانيين، والاختلاف الواسع بينها والطريقة التي يتم من خلالها استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا، وكذلك الفرق الكبير في التسهيلات والمساعدات التي تلقّاها اللاجئون الأوكرانيون، مقارنة بغيرهم من اللاجئين، رغم أنّ تلك المساعدات من المفترض أنّها تستند إلى قانون واحد ينظّم عملية الاستقبال للجميع بدون انتقائية.

تعاملت أوروبا مع الوضع في أوكرانيا بشكل مختلف جداً في ما يخصّ الجانب الإنساني، تماشياً مع مصالحها القومية، وتماشياً مع مراعاة جانب العرق والدين في التعامل، وهذا شيء طبيعي بنظري، ولا ملامة عليها فيه أو عتب البتة، فقط لو أنها غيّرت من قوانينها النظرية، وأضافت بنوداً أخرى إلى قانون اللجوء، تنص بشفافيةٍ تامةٍ ووضوحٍ كبيرٍ، بأنّ اللاجئ الأوروبي له خصوصية في التعامل، وفقاً لدينه وعرقه ولونه!

أكتبُ هذه الكلمات وأنا أحد اللاجئين من بلد أنهكته الحروب وأرهقه الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، رغم تاريخه العريق وحضارته السالفة.

وقبل أن أُلقي باللوم والعتب على أوروبا التي ليست مدينة لي بشيء على الإطلاق، أتذكرُ ملايين النازحين من العرب الذين شقوا طريق الهجرة واللجوء من الدول العربية ويمّموا وجوههم شطر أوروبا البعيدة التي تختلف عنهم، دينياً، وثقافياً، واجتماعياً، رغم أنّ بلدانهم العربية أكبر مساحة وأكثر ثروة.

وأظنّ أنّنا قبل أن نلقي باللوم على أوروبا، علينا أن نلقي نظرة خاطفة على واقع اللاجئين العرب في بلدانهم العربية التي كانت رقعة جغرافية واحدة لا يفصلها حدّ ولا يحيط بها سور، ورغم الترابط الاجتماعي القوي واللغة الواحدة والهم المشترك والإرث الثقافي والتاريخي الواحد، نجد أنّ وضعهم أكثر قسوة وأشدّ مرارة.

اللاجئ العربي غير مرحّب به في وطنه الكبير الممتد من الخليج إلى المحيط

اللاجئ العربي غير مرحّب به في وطنه الكبير الممتد من الخليج إلى المحيط، يجب أن يعيش في مخيمات بلا حقوق ولا كرامة، وأن يقضي عمره وهو يبحث عن أوراق تثبت هويته حتى لا يضيع، ويُمنع من ممارسة أغلب المهن، وينبغي عليه أن يغلق فمه تماماً، وأن يعيش على الهامش و"يا غريب كون أديب"، وأيّ أزمة اقتصادية نتيجة فساد المسؤولين في البلد الذي سُمح له بأن يعيش به تلك الحياة البائسة، يجب أن يتحمل وزرها هو، وأن يكون مادة سياسية في أيدي الدول، وورقة للمساومة والابتزاز يُلعب بها في الانتخابات والمفاوضات…إلخ.

الأمر نفسه ينطبق على المهاجرين الذين يهاجرون من بلد إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش. أتذكر بكلّ أسف، كيف أنَّ جامعة حكومية في إحدى الدول العربية عندما ذهبتُ لتقديم أوراقي إليها لمواصلة الدراسة فيها، قال لي الموظف بكل صَلَفَ: أنت أجنبي، لماذا أتيت إلى هنا؟!

وأتذكر كيف أنّ موظفاً في سفارة عربية، أخذ ينظر إليّ شزراً ورمى لي بجواز السفر، قائلاً: لا نمنح تأشيرة للدول التي فيها حرب!

أتذكر موظفاً آخر في أحد البنوك، وقد أردت حينها الحصول على بطاقة بنكية، فقام برمي الأوراق في وجهي طيلة أربعة أشهر، قائلاً: "ارجع غداً"، لأنّي بكلّ بساطة من بلد عربي آخر.

ثم أتذكر أنّني قطعت دولاً عربية أخرى مشياً على الأقدام واستعنتُ بالمهربين، ودخلتُ السجن مرّتين، وتمّ إبعادي من بلد عربي إلى آخر أجنبي، لأنّي لا أمتلك تأشيرة عبور، وتجاوزت العديد من الدولة العربية لأصل في نهاية المطاف إلى أوروبا البعيدة جداً عن مواطن النخل والبن والزيتون.

يجوع أطفالنا وفي يدنا النيل والفرات، وتحت أقدامنا الذهب والفسفور والغاز والبترول

وأضيف شيئاً آخر، ففي بلدي الذي يفاخر أبناؤه بأنهم أصل العرب، ما زالوا يتحاربون في ما بينهم، ويتربّع على جبال صنعاء صنمٌ من بقايا الجاهلية الأولى، يقسّم الناس إلى سادة وعبيد، وهكذا تسير الأمور في أكثر من قطر عربي... شعوب تسمع وتطيع وتُسبّح بحمد جلادها، وإذا ما فكرت بالتغيير، استبدلت جلاداً بجلاد وطاغية بأطغى.

فمن أحقُ باللوم والعتاب؟! أنا لستُ بصدد الدفاع عن أوروبا ولا تجميل صورتها، فهي قبيحة إلى الحدّ الذي لا ينفع معه تجميل، وأوروبا اليوم هي أوروبا الأمس مع بعض البهارات فقط، ولست معنياً بالدفاع عنها، فلديها الكثير من الأبواق، وإنما يحزّ في نفسي أن ينام أطفال سورية في المخيمات ويسكن أطفال الصومال في القرميد، ويأكل أطفال اليمن أوراق الشجر، ويموت أطفال العراق جوعاً، ويهلك أطفال السودان عطشاً... يحدث كلّ هذا وأرضنا من المحيط إلى الخليج، وفي يدنا النيل والفرات، وتحت أقدامنا الذهب والفسفور والغاز والبترول، وبحارنا مليئة بالخيرات، ثم لا نملك إلا أنَّ نشعر بالقلق، لأنّ شعباً آخر انتكب وأصبح ينافسنا في اللجوء إلى أوروبا التي كانت حكراً علينا لعقود من الزمن! 

يا للعجب! أكتفي بقول الشاعر العربي المنحوس طرفة بن العبد، حيث قال:

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً

على النفس من وقعِ الحسامِ المهندِ.

دلالات
يوسف علي الضباعي
يوسف علي الضباعي
أستاذ لغة عربية. يعرّف عن نفسه بالقول "جمال روح الإنسان في بساطته!".